لماذا يا ترى لم نفهم من معنى التغيير غير مصطلح التمرد على كل شيء يبني الوطن؟, لماذا لم نفهم من معاني التجديد إلا مفردة العنف للتعبير عن جديد بمفهوم همجي بائد؟, لماذا نحاول أن نقنع أنفسنا أن العهد الجديد لا يتم الولوج إليه إلا بمزيد من الفوضى والدمار والعبث بكل مبادئ الوطن الحلم؟, لماذا لم نختر سوى البلطجة كي تكون عنوان وطن كنا ندعوه بالسعيد وصار يموج بين قناعات زائفة أن تطوره لا يكون إلا إن ظهر مارد بدايتنا وصار يتحكم بكل تصرفاتنا وبتركيب عقولنا ويهدم شكل الغد ويشوه كل المستقبل الذي كنا نرتجي فيه النجاة؟.
خلال السنتين الماضيتين شهدت اليمن أحداثاً كثيرة خطيرة على المستوى السياسي والكل عاش تفاصيلها وآلامها وما خلفته من آثار مروعة أثرت على اليمن بشكل عام ليس فقط سياسياً وحسب, بل واقتصادياً وثقافياً وسياحياً واجتماعياً ونفسياً.. فالأزمة السياسية غرست مخالبها على كل شيء في أرض الوطن ولن تستثني أحداً أبداً, وغرست أيضاً أنيابها وبشدة على المستوى الاجتماعي فلم يعد المواطن اليمني يلقى الأمن والأمان ولا التصالح مع الذات ومع الغير, حتى في طريقة تعامله مع الآخرين تغيرت وتميزت بنوع من الغلظة والتوجس والشك وعدم التعايش وانتشرت مفاهيم الكراهية والبغضاء وعدم تقبل الآخر إلا بشق الأنفس.. حتى لكأنما يتهيأ لنا أننا كنا ندفن مارد بدايتنا تحت الرماد وحينما حان وقت خروجه انتفض وغدا يمزق فينا أواصر الألفة والمودة..
فلماذا مارد بدائيتنا هو الذي طغى وتغلب على تحضرنا وعلى الرقي المفترض أن يكون فينا وفي تصرفاتنا وسلوكياتنا؟, وهل يفترض في هذه المرحلة بالذات أن نرتد على أعقابنا أم يفترض أن نكون أكثر إنسانية وروية وتعقلاً وحكمة؟, ماذا جرى وصار لعلم ولثقافة كنا نظن بأننا تشربناهما خلال عقود بائدة؟, هل كانت مجرد شعارات تخفي وراءها بدائية بغيضة إن كنا نخبئ هذه الوحشية لسنين بؤس قادمات والآن آن حصادها وحشية وتنكيلا وترخيصاً لدماء يمنية طاهرة باتت تجري شلالات وانهار هكذا ظلماً وعدوانا.. وانتشار مرعب للعصابات بكل أشكالها وتسمياتها, عصابات مسلحة, عصابات سطو, عصابات تقطع, عصابات نهب, عصابات تخويف وقتل وتنكيل حولوا البلاد إلى كومة من دخان ونار ويباب.. فأين كنا نخبئ كل هذه التكتلات من النقمة على وطن أهدرنا دمه وذبحناه من الخاصرة إلى الخاصرة؟.
تساؤلات نطرحها أمام عيون كل من حصر المعاني العظيمة والأهداف النبيلة للثورة في معنى ضيق جداً وهو التمرد وعدم الانصياع إلا للغة الغاب, وهذا بالطبع معنى مخل لأي انتفاضة كان يرجى منها إنقاذ وطننا من كل التشوهات والآفات التي علقت به ودمرت فيه كل خير ونماء ورفعة, ومخل لأي ثورة كانت تدعو إلى النهوض بأفكارنا والرقي بسلوكياتنا وأفعالنا وببلدنا الذي قد مر بكثير من الانتكاسات والأحداث الدامية ومستنقع من الفساد ظل فيه البناء راكد وآسن ووصلنا لحد من الظلم والتسلط فاق كل الحدود..
لكننا اليوم للأسف الشديد أصبحنا نلاحظ إنتاج العقليات الراكدة والأفكار المتخلفة أكثر من السابق وصارت السلوكيات أكثر همجية وتمرداً بعيداً عن كل مسئولية وانتماء تجاه هذا الوطن, فلعنا نستطيع أن نخاطب بذلك انتماءهم لهذه الأرض الطيبة.. عليهم فقط أن يعوا أنهم لا يعبثون بحاضر البلد وحسب, بل مستقبله ومستقبل أبناءهم من بعدهم والتاريخ لا يرحم كل متهاون بتراب أرضه وبدم أبناءه.
قمة الحسرة والندم أن نجعل البلطجة والتوحش عنوان وطن وعنواناً لحاضرنا وخاتمة صبرنا على واقع رث تجرعنا فيه المرارة وكنا نرتجي أفضل منه وليس الأسوأ بكل المقاييس.. وكفى.
سمية الفقيه
حين يكون التمرد والبلطجة عنوان وطن!! 1312