في فضيحة أخرى وردود فعل عكسية مني بها الوجه الانقلابي القبيح في مصر تحدثت كثير من الأوساط التي راقبت المحاكمة الهزلية للدكتور محمد مرسي بأنها جاءت بنتائج لم يكن يرجوها من عقدوا المحاكمة ، و لم يكن الانقلاب يتوقعها ، أي أنها جاءت بقدر من الله .
فلدى لدى ظهوره بعد غياب أو تغييب استمر نحو أربعة أشهر، بدا الرئيس المعزول محمد مرسي وهو في الطريق لحضور أولى جلسات محاكمته وكأنه ما زال في الحكم يمارس مهام عمله ويلتزم بمظاهر البروتوكول، وليس في طريقه إلى المحاكمة بتهمة التحريض على قتل متظاهرين.
وعلى عكس ما جرى في محاكمة الرئيس المخلوع محمد حسني مبارك، فقد عمدت السلطة الحالية إلى عدم بث وقائع جلسة محاكمة مرسي على الهواء، واكتفت بتسجيلها ثم إذاعة ثوان معدودة منها على التلفزيون الحكومي بشكل مجتزأ أثار الجدل.
واعتبر كثير من المصريين -خصوصا من أنصار مرسي- أن هدف السلطة الحالية من البث المجتزأ هو إظهار الرئيس المعزول بشكل يفقده التعاطف أو يخذل مؤيديه، لكن أثراً عكسياً حدث بحسب تأكيد خبراء في الإعلام وصفوا ما جرى بأنه انقلاب للسحر على الساحر، متوقعين استمرار سرية جلسات المحاكمة وعدم تكرار خطأ نقل مقطع فيديو.
في هذا السياق وأنا أتابع هذا الموضوع استوقفني كلاما جميلا لأستاذ الإعلام بجامعة الأزهر الدكتور أحمد سمير حماد حيث قال : إن القلق انتاب السلطة الحالية مما يمكن أن يقوله مرسي خلال محاكمته مما دفعهم إلى إلغاء البث المباشر، لكنها في المقابل حاولت إظهار الرئيس المعزول بشكل يفقده التعاطف معه عبر إذاعة لقطات لا تستغرق مدتها عدة ثوان للمحاكمة التي استمرت أكثر من ساعة.
ويؤكد حماد في حديثه للجزيرة نت أن الفيديو المجمع جاء بعكس ما توقعه من يحكمون مصر حاليا، نتيجة ظهور مرسي ثابتاً خلال المحاكمة على نحو بعث روح الإصرار والصمود في نفوس مؤيديه، موضحاً أن الهيئة التي كان عليها الرئيس المعزول أظهرت مدى عجز السلطة الحالية التي تسعى للتعتيم وتكميم الأفواه.
وبحسب حماد، فقد أثر الفيديو في أولئك الذين كانوا يقفون في المنطقة الرمادية بين شرعية الرئيس المنتخب والإطاحة به، لكونهم طرحوا تساؤلات خاصة بمدى الشفافية التي تتعامل بها السلطة الحالية معهم، وما وراء الخوف من ترك مرسي يتحدث مباشرة.
ويردف قائلا إن "تصرف أجهزة الدولة في أمر منع نقل المحاكمة ثم بث فيديو مجمع، يكشف بوضوح ترهل القيادة السياسية الحالية وضعفها وعدم إدراكها للوضع العام"، متوقعاً أن تظل جلسات المحاكمة القادمة سرية حتى لا تكون مادة لحديث الجماهير والتأثير على الرأي العام.
ويذهب حماد إلى الاعتقاد بأن الشكل الذي ظهر به مرسي يؤهله للعب دور الزعيم الذي افتقدته الجماهير خلال ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011 وما تبعها من موجات ثورية واحتجاجات، موضحا أن "رمزية مرسي تتوسع ليس فقط داخل مصر ولكن خارجها أيضا، ليصبح رمزاً للتحرر والحكم الديمقراطي والحالة الثورية للشارع".
واستوقفني في هذا السياق أيا تصريح للأمين العام لحركة "صحفيون ضد الانقلاب" الكاتب أحمد عبد العزيز فقد علق على استخدام السلطة للفيديو المجتزأ بقوله "انقلب السحر على الساحر"، مؤكداً أن ذلك دليل على تخوف من يحكمون مصر من ظهور الرئيس المعزول وما قد يقوله لدرجة أنهم لجأوا إلى كتم الصوت عند نقل المشاهد التي تم بثها.
وأضاف عبد العزيز "لقد أرادوا محاكمة مرسي فحاكمهم بثباته وثقته ومظهره الذي جعله يظهر كأنه ما زال رئيسا، والفيديو أعطى تأثيراً إيجابيا إذ أشعل الحماسة في نفوس مؤيدي الرئيس المنتخب"، مبرزا أن القيادة السياسية الحالية سجلت المحاكمة علها تجد ثغرات تسيء لمرسي فتقوم ببثها، لكنها أخفقت في ذلك فاضطرت لبث عدة ثوان له دون صوت.
وأوضح أن الفيديو أظهر مرسي في هيئة الرؤساء، مشدداً على أن الرئيس المعزول تحول إلى زعيم وبطل شعبي، وتساءل "كل ذلك حدث بسبب ثوان بثها مقطع فيديو، فماذا لو تحدث مرسي على الهواء مباشرة؟".. إنهم يمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين.
ولست هنا بصدد الحديث عن الغباء وقلة الذكاء لدى الرقيب العسكري الذي سمح بنشر المقطع –علما أنني على يقين أن المقطع آخر من يأذن به هو السيسي بعد مشاهدته – إن التعامل مع مسألة الشرعية خط أحمر كما تثبت لنا الأيام ، وأن الانقلابين يوما بعد يوم يفقدون كثيرا من ثقلهم هذا إن كان لهم ثقلا أصلاً، ومد المؤيدين للشرعية يزداد يوما بعد يوم، المختلف هذه المرة أن النخب التي طبلت للانقلاب لن يكن لها مكان في مصر المستقبل أما لماذا فلأنها أوغلت في دماء المصريين من خلال تشريعها لثقافة الدماء التي قام بها السيسي بانقلابه فتبا لهم
اليوم واليوم فقط أتذكر مقطعا من قصيدة للدكتور عبدالرحمن العشماوي يتحدث فيها عن قيمة التفاؤل في مثل هذه الظروف, موجهاً حديثه لتلك النفس التي ربما في حالة يأس تقوم بتشرب ثقافة القنوط والإحباط فيقول لها:
هون عليك فؤادي واتخذ سببا إلى التفاؤل ،واترك عنك ما رابا
وقل لمن بلغ الإحساس غايته منهما ، فما عاد مكسوراً ولا خابا
لا تطفئي شمعة يا من أبحت لها حمى فؤادي ، فإن الليل قد آبا
أما ترين ضياء الشمس كيف بدا مستبشراً ، فحماه الليل وانجابا
لكنها لم تطاوع يأسها فمضت تخيط من نورها للبدر جلبابا
ما حركت شفة غضبي ولا شتمت وما أثارت على ما كان أعصابا
مضت على نهجها المرسوم في ثقة وأعربت عن سداد الرأي إعرابا
لو أنها شغلت بالليل تشتمه لما رأت في نجوم الليل أحبابا
كذلك الناسُ لو لم يفقدوا أملاً واستمنحي رازقاً للخلق وهابا
فعندها سترين الأفق مبتسماً والشمس ضاحكة والفجر وثابا
مروان المخلافي
يمكرون ويمكر الله 1242