في الحروب الستة التي كانت تدور بين الحكومة اليمنية وجماعة الحوثي قبل سنوات, كان كثير من الإعلاميين والسياسيين وبسطاء الشعب اليمني –وأنا واحد منهم – نقف إعلامياً ومعنوياً متعاطفين مع جماعة الحوثي ونحمل الدولة تلك الحروب على الرغم أننا كنا نختلف مع مشروع جماعة الحوثي من الناحية الفكرية وجذوره العنصرية والسلالية, باعتبار ذلك المشروع لا يواجه بالقوة والحسم العسكري, متلمسين العذر للحوثة في حمل السلاح داخل مناطق صعده لهم تواجد فيها –وإن لم يكونوا أغلبية سكانية- في وجه الدولة مع إيماننا بشرعية الحكومة وضرورة أن تتواجد في كل اليمن وتلك المواقف كان يصورها إعلام النظام السابق آنذاك أنها تتعاون مع جماعة متمردة خارجة عن النظام والقانون ..
واليوم جماعة الحوثي من الناحية الواقعية تختطف محافظة صعده وتسيطر على معظم مقدراتها في جميع مديريات صعده وكذلك تحتل بعض مناطق محافظتي عمران وحجة وعمران بقوة السلاح والدعم المالي الخارجي والداخلي .
ومع ذلك تشن حرباً ضروس على مجموعة من أبناء صعدة وطلاب قدموا من مختلف المحافظات والمناطق اليمنية لتلقي العلم, كما هو سائد منذ أن تأسس دار الحديث قبل سنوات طويلة في عهد النظام السابق ,وقبل أن تظهر جماعة الحوثي كتنظيم أساسه السلاح وبناء الملشيات, وتشن حرباً غير متكافئة في منطقة صغيره بدماج في إطار مديريتها التي تسيطر الجماعة على أغلب مناطقها وتستورد جماعة الحوثي في خطابها الإعلامي وتحريضها لأتباعها المقاتلين مصطلحات النظام السوري وغيره من الأنظمة القمعية والاستبدادية -الفاقدة للشرعية الشعبية والديمقراطية- مثل مصطلح تكفيريين إرهابيين مسلحين وهَّابيين جاءوا من جميع أصقاع العالم, نقاتل الأجانب.
وتسوق حُجة سخيفة لا يمكن أن يصدقها عاقل؛ أن أبناء دماج والسلفيين هناك حملوا أسلحة التي يراها الحوثي حقاً مقدساً يحتكرها لنفسه وجماعته ,ولا يحق لأحد سواه حملها, رغم أن وصف سيطرة الحوثي على صعدة من الناحية القانونية والدستورية هو احتلال محلي لصعده والمناطق الأخرى في المحافظات المجاورة بقوة السلاح , وجماعة الحوثي جماعة متمردة وإن دخل جناحها السياسي في تصالح مع النظام الحالي عبر مؤتمر الحوار الوطني الشامل الذي كنا نأمل أن تترك تلك الجماعة السلاح وتنخرط في السياسة وتتعايش بسلام مع بقية مكونات الشعب اليمني.
ونحن اليوم كما كنا بالأمس لم يتغير موقفنا من شن حروب على مجموعة فكرية ومذهبية نتعاطف إعلامياً ومعنوياً مع جماعة دماج التي تدافع عن نفسها بما تملكه من قوة عقيدة وأفكار وسلاح خفيف ضد الاحتلال الحوثي المحلي بقوة السلاح والبلطجة لدماج بصعدة ومحاولتهم إلحاقها ببقية المناطق والمديريات التي احتلتها الجماعة , وعلى الرغم من تحفظنا على بعض أفكار السلفيين واختلافنا معهم في طريقة نظرتهم للسياسية ودعمهم القديم والمستمر الأنظمة الظالمة من منطلقات وفهم خاص بهم للدين الإسلامي والسنة النبوية المطهرة وتمثلت بالفتاوي والخطب والمؤلفات الدينية وغيرها.
إلا أن ذلك الخلاف لا يحتاج لحمل السلاح ضدهم أو تأييد قوات الاحتلال الحوثية في حربها القذرة عليهم.
و نؤمن بالحلول السلمية عبر الحوار المجتمعي المكثف وإدماجهم بالعمل السياسي وإدماج جماعة الحوثي قبلهم.
وأنا أنظر ومعي الكثير للسلفيين مقابل الحوثيين في محافظة صعده جماعة صغيرة في دماج مظلومة وهم اليوم أصحاب المظلومية الحقيقية , والسلفيون اضطروا لحمل السلاح للتصدي لقوات احتلال محلية متوحشة -كانت تدعي المظلومية في السابق – وحربها الغير متكافئة مع السلفيين تخدم أجندات خارجية لا علاقة لها بمستقبل اليمن وحاضره وتخدم أعداء اليمن الحقيقيين و هي اليوم تستهدف وجود السلفيين ومناطقهم وهويتهم وتصادر حرياتهم وتنتهك مخالفيها السياسيين والفكريين في المناطق التي تحتلها.
وعندما أقارن الخطاب الإعلامي لجماعة الحوثي المسلحة عبر قناة المسيرة والوسائل التي يملكونها أو تتبعهم بطريقة أو بأخرى في تناولها وتضليلها لما يدور في دماج لا يختلف كثيراً عن إعلام النظام اليمني السابق في تناوله للحروب الستة الماضية التي شنها على جماعة الحوثي مع الفرق بين مشروعية الطرفين -أي أن النظام السابق كان نظاماً شرعياً , ونظام الحوثي في صعدة كقوات احتلال محلية متوحشة, وكل الإعلاميين يتعاطون ويوصفون من يقف مع المظلوم نتيجة شن الحروب عليه بنفس التعاطي و الأوصاف بالتخوين والتكذيب والوقوف مع طرف ضد طرف, والذي تغير اليوم هو أن هناك إعلاماً حراً أصبح ينقل المعارك ويوضح للرأي العام من الظالم الحقيقي ومن المظلوم, وأصبح لكلا الطرفين إعلام خاص ينقل وجهة نظره لأتباعه وداعميه في الخارج.
تغريدة أخيرة:
الحرب اليوم في دماج أخطر من حرب النظام اليمني القديم على الحوثي لأنه على الأقل كانت الحرب الماضية بين قوات نظامية شرعية وجماعة خارجة عن السلطة واليوم الحرب بين جماعتين مذهبيتين لا سلطة شرعية قانونية ودستورية لهم في حكم أي محافظة أو منطقة و لكل منهما أنصار ومتعاطفون وداعمون من الداخل والخارج و قد تتوسع الحرب لمناطق أخرى وتستمر سنوات طويلة, لتعيق اليمن وتقدمه وتفشل تنفيذ مخرجات الحوار الوطني التي نأمل أن تتحقق على أرض الواقع.
وعلى الدولة تحمل مسئوليتها بنزع الأسلحة المتوسطة والثقيلة من كافة الجماعات وفي كل المناطق اليمنية بما فيه نزع سلاح جماعة الحوثي والسلفيين في كل ربوع صعدة واليمن عموماً.
محمد صالح أبو راس
مظلومية الحوثي تحولت لقوات احتلال بشعة 1293