في الوقت الذي تتجه عيون اليمنيين صوب مخرجات الحوار الوطني للانتقال إلى الجوانب التنفيذية للبدء ببناء الدولة اليمنية؛ نجد أن الحوثيين الذين هم ممثلون في مؤتمر الحوار الوطني والذين دخلوا لإفشاله من الداخل، فلما فشلوا حاولوا تفجير الأوضاع عسكرياً بالتنسيق مع المخلوع صالح ،وفشلوا ولهذا اتجهوا للجهة الأضعف وهم سلفيو دماج والسؤال: ما دلالات هجومهم على دماج؟.. أقول :هناك عدة دلا لات منها:
1- تزامنا مع المرحلة النهائية للحوار الوطني ، وقد جاء بعد إعلان الحوثي تعليق مشاركته في الحوار الوطني ومطالبته بضمانات ، وهو ما يفسر الصمت الحكومي والرئاسي طوال هذه الأيام ، في محاولة لعدم الانجرار إلى ما يريده الحوثي من إفشال للحوار الوطني وتشتيت الانتباه العام ، وشغل الدولة عنه وهو في مرحلته الأخيرة
2- الدلالة على أن سلوك الحوثي يدل عن فكر متناقض وطنياً ،يثبت سقوط ادعاءات مدنيته وخطأ ركون بعض المثقفين ومن عرف عنهم الأفكار المتحررة ليمثل بديلاً لقوى سياسية لها تاريخ طويل وخبرة في الساحة الوطنية نحن على معرفة بها واحتكاك يمكننا من الاطمئنان إليها في تقرير مصيرنا ، مع وعيها بأهمية الرأي العام واستعدادها لمراجعة حساباتها في حال تم توجيه النقد لها .
3- العقل والمنطق والمراجعات والرأي العام ، في طرف الحوثي يبدو أن فكرة الرأي العام والمراجعات معدومة ، فخطابه يمثل خطراً على الوحدة الوطنية والتماسك الداخلي وكلنا سمع ما قاله عن أحقيته بالحكم خلافاً لما اتفق عليه اليمنيون منذ قامت الجمهورية وبعد ثورة 11 فبراير ومنذ مؤتمر الحوار الوطني ، ولم تعهده مرة قدم خطاباً مختلفاً في أفكاره ويدلل على حرصه على ذلك لإبراز معتقده السلالي المنوى .
4- الاستدعاء التاريخي المؤثر على سلوك الحوثي وجماعته ، وهو استدعاء للعنف كأساس للوصول إلى الحكم ومرتبط بشكل أكبر بحكم اليمن، فيبدو ما يفعله تكراراً لأحداث تاريخية يحفظها عن ظهر قلب دون غربلة ووعي.
5- دلالة المأزق الحقيقي طالما والحوثي يعيش مأزقه مع الفكرة التاريخية المسيطرة ، التي تعتقد بالحقيقة المطلقة غير المنسجمة بالضرورة مع العقل والزمن ولهذا الشرع والعقل والمنطق والواقع والزمن يقول :هؤلاء زبد سيذهب جفاء..
6-إن الحوثيين بحربهم هذه يقدمون أنفسهم بعقليات أسوأ من عقليات العسكر ، إذ يشير ما نراه من سلوكهم بمدى التعبئة المتخلفة والخاطئة التي تعرضوا لها منذ الطفولة الأولى ومستوى ما تعرضوا له من شحن على الانتقاص والاحتقار للآخر وصولا لحد استحلال الدم الذي حرمه الله ،فالحقد والكراهية والاستحقار والتميز التي وفرت هذه النفسية التدميرية.
7-ولهذه العقلية الماضوية المتخلفة والنفسية التدميرية جماعة الحوثي اتخذت قرارا مسبقا بإخلاء دار الحديث بدماج إلى صنعاء بعد الفشل من السيطرة على صنعاء بالتعاون مع اتباع صالح ،من أجل أن تنفرد بسيطرتها على صعدة دون أن يكون هناك أي أصوات أخرى تتعارض معها .
8- الحوثيون الذين تساقطت أمامهم ألوية الحرس الجمهوري ، وسقطت تحت أقدامهم ثلاث مديريات حتى وصلوا إلى عمق الأراضي السعودية ،في وقت قياسي بفضل تآمر على صالح معهم ، عجزوا عن إسقاط بضعة كيلومترات مربعة يسكنها عشرات أو مئات من طلاب الحديث في دماج .. تلك هي القوة العسكرية التي يستند إليها الحوثي ، وأراد أن يستغل ما كان من تآمره مع علي صالح في إسقاط ألوية الجيش لتصوير قوته العسكرية كأسطورة ، إلا أن حروبه ضد دماج ، فضلا عن حروبه ضد القبائل ، تأبى إلا أن تحرق هذه الصورة الزائفة للقوة الأسطورية الوهمية .
9- كان الحوثيون يعتقدون أن صنعاء ستسقط في أسبوع , ربما أنهم مطمئنون إلى ما حصلوا عليه من أسلحة الحرس الجمهوري كهدايا من على صالح وابنه أحمد ، فضلا عن المواقع القيادية التي تسلموها في ألوية الحرس خلال السنتين الماضية ، ولهذا رفض أتباع عبد الملك الحوثي هيكلة الجيش، معتبرين أنها مؤامرة أمريكية على الحرس الجمهوري .. ويفوت على هؤلاء جميعا أن الميزان ترجحه عدالة القضية وسلامة الوسيلة ،لا الادعاءات ولا الكتل الحديدية من السلاح ، والتاريخ قريب وآثاره مبصرة لو كانوا يفكرون أو يعتبرون.
10- أنه من أسباب الاقتتال في دماج الانتصار لعلي بن أبي طالب من معاوية بن هند ،وهذا تأكيد لعجز هذه الأدوات عن العيش والبقاء في الحاضر الإسلامي الإنساني الواسع وسبر أغواره والتحليق في فضاء التحرر من أغلال العبودية لأفكار التخلف والعفن الماضوي من التاريخ المندثر ،وممارسة الحياة الطبيعية وفقا لشروط الحاضر وقوانين التطور، حيث لم يعد عندنا علي ولا معاوية كأشخاص يديرون معاركهم وفقا لمقتضيات مصالحهم السياسية والاقتصادية والأخلاقية .
11- إن الأحداث في دماج تكشف لنا الصادق من الكاذب، والحقوقي الحقيقي الذي هدفه كرامة وحقوق الإنسان من الحقوقي المزيف ،الذي يستخدم حقوق الإنسان في الاسترزاق وطلبة الله .. فالحقوقي الصادق هو الذي يقف مع المظلوم بغض النظر عن من يكون هذا المظلوم ، وما هي عقيدته وجنسيته . والحقوقي الصادق هو من يقف ضد انتهاكات حقوق الإنسان بغض النظر عمن يكون هذا المنتهك حتى لو كان أبوه أو أخوه ، أما الانتقائية وإدانته بعض الانتهاكات وترك أخرى حسب التصنيف الحزبي والمذهبي .. فهذا ليس عملا حقوقيا إنما استرزاق وطلبة الله ، وضحك على الذقون وقمة السخافة والغباء المكشوف.
12) إن قرية دماج بمن فيها من السلفيين هي اختبار ناجز وواضح لعقلية الحوثيين على قبول اختلاف التنوع ، والتعايش والتسامح مع المختلف معه ،وعنوان مشروع للحوثيين الذي يحملونه ،والأصل والمنطق والمفترض أن يظهروا مشروعهم لكافة الشعب اليمني ويطرحوا برنامجا سياسيا ينتصر للقضايا الاجتماعية ويقف مع المستضعفين والمظلومين ، ويُقاوم الظالمين والمستبدين من خلال النضال السلمي وليس من خلا مشرع القتل ... إن دماج بداية الهزيمة والتحوصل من جديد في مربعات محددة في صعدة كجماعة مسلحة مذهبية تتكون من قتلة .
13- إنه يتعذر كليا ، إلغاء هوية ضيقة ما بهوية ضيقة أخرى منافسة وان الحل الممكن يكمن فقط ، من خلال هوية الإسلام الذي جاء به رسول الله وهدفه "وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين" هوية عالمية جامعة ، ومتجاوزة . تعترف بالهويات الفرعية الضيقة ، وتستوعبها ، وتتجاوزها في آن.
14- إن حرب دماج تدل على أن بعض اليمنيين يحملون سجنهم فوق ظهورهم وبداخل عقولهم فبدلا من البحث عن تحسين سبل المعيشة اليومية وتنمية معارفهم وتوسيع تفكيرهم وتعمير الأرض وتحقيق العدالة بينهم يتقاتلون على قضايا من ألف سنة كانت محل نزاع بين أمة قد خلت ولا مجال معها لإعادة الصراع باسمها .. فإذا استمر الصراع من أجل الثأر لعثمان وعمر وعلي ... ثم لأحفادهم مرورا بصراعات الأمويين والعباسيين فلا تكفينا ألف سنة أخرى.. والله الموفق.
محمد سيف عبدالله
دلالات حرب الحوثيين على دماج 1639