يقول الله في الحديث القدسي (..عباد لي يلبسون للناس مسوك الضأن، وقلوبهم أمر من الصبر، وألسنتهم أحلى من العسل، يختلون الناس بدينهم .. أبيّ يغترون أم عليّ يجترئون ؟ فبي أقسمت لألبسنهم فتنة تذر الحليم فيهم حيران) وقال تعالى : ( وويل لهم مما كتبت أيديهم وويل لهم مما يكسبون) صدق الله العظيم
بلد نعيش فيه على واقع الأحياء, لكننا في حكم الأموات؛ بؤس وجوع وجهل ومرض و غرباء. في الوطن من عهد السلطنات والمشيخات والإمامة إلى عهد الاستعمار والجمهورية إلى عهد الأحزاب والجماعات مراسيم وبروتوكولات لم تنتهي في أرضنا على مر الزمن وعلى رؤوسنا مواسم تتكرر فيها الهجرة من الجنوب إلى الشمال كانت وما زالت وطن ومن الشمال إلى الجنوب اليوم غربة في الوطن. إنها قصة وطن . من يحددها لنا اليوم، أهم العملاء أم من يزرعون الألغام أم من يقتلون العسكر ؟ حتى مصيرنا أصبح وجهة نظر على أيدي العشرة المبشرين بالتهديد والوعيد لمن يخالفهم من هذا الشعب وهم بن علي والحوثي والقاعدة والبيض وتوكل وعسكر وقحطان والبركاني والنوبة وناصر ومن يناصرهم، الشيخ يأمر وينهى والفاسق هو القائد الملهم والعالم هو المفتي، وهو من يخطب لصالح الحزب وليس لصالح وطن، يا إلهي من هو المالك لهذا الوطن ؟ الكل يدعي حب الوطن، إذاً من هوا لخائن، أيكون المتآمر على الشعب هو الوطن، اليوم نعايش التطورات والوقائع والأحداث بحسب ما تفرضه علينا توجهات الأحزاب والجماعات، ولقد صدق الرسول عليه الصلاة والسلام في حديث ما معناه : يخرجون فيكم قوم تحقرون صلاتكم عند صلاتهم وصيامكم عند صيامهم وعملكم مع أعمالهم يقرأون القرآن لا يجاوز حناجرهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، ولئن أدركتهم لقاتلتهم)، وهم على خلاف نهج المبشرين بالجنة أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وطلحة والزبير وأبو عبيدة وعبدالرحمن بن عوف وسعد بن عبادة وسعد بن معاذ، واليوم تبسط لنا الدنيا مقابل النقص في الدين لأننا نبحث عن الخلافة وعن خروج المهدي دون أن نعمل بما جاء به الدين ولو تتبعنا واقعنا كمسلمين منذ أن جاء البشير النذير محمد- صلى الله عليه وسلم- وفجر بركان الحق على الباطل حتى كان الدين في نفوس من أسلموا في بداية الدعوى شغلهم الشاغل، همهم معرفة الخالق والقرب منه وحقيقة الوجود الإنساني في هذه الأرض توجه خالص لله سبحانه وتعالى وروحانية هدفها رضاء الله في الوصول إلى النور وعصيان كامل للشيطان، خضوع وإجلال ونكران للذات تقابلها تضحيات وفداء وحب للآخرة، إخاء وإيثار ووضوح في البحث عن الغاية التي على أساسها وجدنا، تعامل بصراحة في القول مع شجاعة وإقدام في الفعل، كل هذه الصفات وعجزنا عن إيجاد البدائل المتاحة للتغيير في اليمن، هي أن نكون مسلمين بصدق وأمانة ولدينا الرغبة المطلقة في إحقاق الحق وترخص أمام ديننا وبلدنا كل ما هو متاح من النفس والمال والأهل والولد لأن مشروعنا الإسلامي المبني على الحب لله ولرسوله مشروع حياة أو موت، حساب وعقاب والقابلية للتنفيذ هي أهداف السلام والوئام مع من نعيش معهم ممن يعتنقون ديانات غير الإسلام ولا تقودنا إلى الذاتية وهي النزعة التملكية وحب الذات ولكن تقودنا إلى النزعة الإيثارية حب الآخرين والعيش معهم بأمان واطمئنان . لأن الإنسان مخير وسيد مصيره، نعم مخير لأنه يمتلك العقل وبهذا العقل يعرف الإنسان حقيقة وجوده على هذه الأرض، لذلك كلف الإنسان بالعبادة على خلاف بقية المخلوقات، وألا يكون أسير ضحية المقادير أسير نفسه ومسير بمقادير عندما يكون خارج التكليف لم يعي أفعاله بالشكل المطلوب، لأن الإنسان بطبعه طيب وشرير ويكون شرير عندما يتبع هواه ونفسه لا تستطيع التحكم بها وهو طيب عندما يستخدم عقله وقلبه التي لا تخالف أوامر الله سبحانه وتعالى، والعقل والجسد يتعاملان مع الإنسان بتسخير من الخالق ولولاهما ما أصبح الإنسان سوي ومستقيم وسلوكياته ليست من منطلق جسدي بل من منطلق العقل، لذلك العقل هو محور الارتكاز وسلامة الإنسان واستقامته وبالعقل يكون الإنسان سوي بفعله وسوي بقوله وسوي بتصرفاته ومع الأسف نرى اليوم النخب المتنورة في بلادنا من القادة أو الساسة أو العلماء أو الأدباء أو من يشغلون الوظيفة العامة في الدولة من المهندس في موقعه والدكتور في عيادته والتاجر في متجره والموظف في عمله والجندي في موقعه، وفي كل المصالح ابتداء من قسم الشرطة ثم النيابة والمحكمة ومنهم على صلة بالمواطنين ومصالحهم، ليسوا على استعداد وقناعة لبذل الجهد من أجل الوطن والمواطن ولا يحضون باحترام وتقدير العامة من الناس في بلادنا اليمن، ومن النادر أن تجد من يحضون بالاستقامة والقدوة والنزاهة والأمانة ومنهم على الفضيلة والتقوى والورع صفات ليس لها وجود عندنا في اليمن ولا يوجد سوى قصص وحكايات نعتبرها في حكم الخيال كيف كان الأولون من الرجال يحبون في الله ويبغضون في الله كما نشاهد اليوم من حب للأحزاب أو الجماعات كانوا على حرمان من الملذات جوع وتواضع واحترام وصبر واحتساب وتحمل، عزة وكرامة، خشية، صدق، أمانة، إخلاص، إصرار، حماس على نشر وتوسع للدين والمداومة على الصلاة مع القيام ومحاسن وسلوك ومثالية في التعامل، كل كذلك والمقصد خدمة الناس ودخول الجنة لمن هم على صلة وتواصل بالله سبحانه وتعالى، هذه الغاية وهذه المعاني شبه معدومة في نفوسنا اليوم وخاصة في اليمن مقابل نعيم اليوم في المأكل والمشرب والملبس والمسكن و في ما مضى كان ترك الأهل والمال وطلب الشهادة والجهاد في سبيل الله جهاد مغاير لفكر الجماعات المسلحة اليوم التي تقتل المسلمين وليس غيرهم والسابقون من المسلمين كان هدفهم إخراج من هم على الضلال والشرك وعبودية للأوثان، عاشوا في الدنيا ولكن كانت حياتهم لغير الدنيا ولم يستسلموا لهوى والنفس وبما يدعو به الشيطان، آن الأوان لتغيير مفاهيم التعالي لمن هم على شطط في اليمن للقبيلة أو للأسرة أو لعنصرية المذهب أو المعتقد أو لهوى المناطقية، لتسقط كل هذه الدعوات ولتحيا وتعيش الأخوة في الدين، الناس سواسية، لكن في اليمن ما زالت بعض من الناس تكرم النفس الأمارة بالسوء وصاحبها الذي يرتكب الإجرام والذي يرتكب الفساد ويرتكب المخالفات بحق الضعفاء والمساكين وبحق الدولة والمال العام وكأن المجتمع عديم المبادئ والقيم شروط وذرائع وما أسهل أن تعيش القوة الظلامية في هذا البلد على المسميات من البدع والخرافات، ولأحقية نشر فكرها وظلامها بمباركة من يصنعون الشروط التي تصبغ بالحق الإلهي والخلافة على ما يناسب فكرها للوصول للسيطرة على البلاد والعباد، وهكذا يعيش اليمن على واقع الأقلية وطمس أحلام ومستقبل الأكثرية بقوة البندقية .
أخلاقيات جديدة تفرض على هذا الشعب تقوم على فرضية نسيان ما كان عليه الآباء والأجداد من حب وتراحم وإخاء وتعاون وانسجام وتجانس فيما بين القبائل أثناء تنقل أهل الجبال إلى مناطق الوديان والسواحل ، دون أن يلقى المتنقل صعوبة في العيش والتملك للأرض والتزاوج ولا فرق ولا سؤال عن الأصل أو الانتماء، كانت المعرفة هي صناعة المستقبل ليتكون هذا الشعب العظيم على أساس أهداف وتماسك وتجانس أبناء اليمن الذين ينشدون التغيير وليس للفوضى والتدمير .
وكما قال الشاعر أبو نواس:
يا رب إن عظمت ذنوبي كثرة فلــقد علمت بأن عفوك أعظم
إن كان لا يدعوك إلا محسن فبمن يلوذ ويستجير المجرم
مالي إليك وسيلة إلا الرضا وجميل عفـــوك ثم إني مسلمُ
محمد أمين الكامل
قصة شعب ووطن (1) 1449