هل الأمانة أو الصدق لازم وضروري؟ وبعبارة أخرى: هل يستطيع الإنسان الصادق أن يعيش في مجتمع معظمه مراء ونفاق؟, لماذا نطلب من أطفالنا أن يكونوا في الذروة من فضيلة الصدق؟..
إن الطفل المتحلي بهذه الصفة لا يستطيع العيش في هذا المجتمع.
هل الأمانة لازمة؟ وبعبارة أخرى: هل يستطيع الإنسان المحب للأمانة أن يعيش في مجتمع منافق؟.. إن أسئلة كهذه ما برحت تتردد منذ بدء الخليقة ومنذ أكثر من ثلاثمائة سنة قال الواعظ الإنكليزي "توماس فولر": إن الأمانة جوهرة بديعة ولكن الناس لا يقبلون عليها.
إن الكذب شيء شائع بين الناس على درجات متفاوتة, فكم من تلميذ يسرق الكتب من زميله أو صديقه، ولكم من موظف تحصيل فواتير الكهرباء أو الهاتف أو محصل ضرائب أو محصل أي رسوم مالية يتقاعس متعمداً تسليم بقية المبلغ بحجة عدم وجود مكثر وصرف.
وتعتبر كثير من النساء أن الكذب صار استراتيجية لازمة لتحقيق الحياة الزوجية.. وقد شكا أحد كبار الموظفين ذات مرة لأن أصدقاء ابنه يسرقون أدواته المدرسية في المدرسة، لكنه قال: إن هذا هو مبدأ الحياة وهو يقدره ويفهمه، هل معنى هذا أن معظم الآباء والأمهات يعلمون أبناءهم الكذب وعدم مراعاة الأمانة؟.. كلا؛ إن معظم الآباء يريدون أن يكون أبناؤهم صادقين، هكذا يقولون، ولكن ما رأيهم لو تمسك الطفل بالصدق وأخذ بيدي آراءه بصراحة تامة يقول بعض الإخصائيين في الطب النفسي للأطفال: إن الإنسان في أول الأمر يعلم أطفاله الأمانة الكاملة وبعد ذلك يطلعه على التقاط الوسيطة بين الصدق والكذب، وبين سن السادسة والتاسعة يكون الطفل في ذروة التحسس بالأمانة واصدق فضميره لا يطيق أي هفوة.
والأطفال من جميع الأعمال قد يرغمون إرغاماً على الكذب وقلة الأمانة بسبب ما يرون في والديهم وفي أصدقائهم وفي المدرسة.
إن خير ما ينصح به الوالدان هو أن لا يحملا أطفالهما على اتباع طريقة الكذب الدفاعي وأن لا يتيحا له فرصته الكذب، وفي بعض الأحيان تكون قدرة الصفير على خداع والديه أو أساتذته في المدرسة مدعاة لرفعه درجات في عين أقرانه من الصغار إن الوالدين قد يرغمان أطفالهما إرغاماً على الكذب وذلك بوضع مقاييس عالية للأخلاق لا يستطيعون بلوغها.. كذلك فإن المدارس والمجتمعات قد تلقن الأطفال الكذب، وبينما نرى الأطفال يمارسون الكذب الأبيض الصغير ويستخلصون منه بعض الفوائد التافهة من الحياة اليومية، نجد المراهقين ومن هم أكبر منهم سناً يمارسون الكذب والنفاق لاستخلاص الفوائد الكبرى ممن هم حولهم، كذلك الكبار يكذبون ويخادعون ولكنهم يرفضون الاعتراف بأنهم مخطئون، وهناك نقطة ينبغي أخذها بعين الاعتبار، وهي أن الوالد الصادق لا يستطيع أن ينشئ أطفالاً صادقين، وأساس الصدق عند الطفل يوضع وهو في السادسة من عمره، إن الطفل في معظم الحالات يكون في تصرفاته مرأة أبيه أو أمه.
وعلى الوالدين أن لا يطلبا من الطفل أكثر مما يطلبا من نفسهما، فالوالدان يحاولان أن يمنعا أطفالهما من الخداع ومع ذلك نراهما لا يتورعان عن ارتكاب الكثير من المخالفات في تصرفاتهما وفي الحياة اليومية أو يكذبان في أمور كثيرة والويل للطفل إذا أقدم على مثل هذا العمل..
فإذا لم يكن الأب أو الأم صادقين مع نفسهما فلا يمكن أن يكونا صادقين مع أبنائهما، إن وضع مجموعة من القواعد للسلوك الصادق لا غنى عنها للطفل الذي نرغب في أن يكون أميناً في كبره.. والقواعد يجب أن تكون معقولة، وأن تكون مرنة إلى حدٍ ما ولكنها ضرورية على كل حال، وطريقة معاملتنا لأطفالنا هي التي تقرر درجة أمانتهم وصدقهم في المستقبل, فالطفل الذي يشعر بالأمن والطمأنينة في تعامله مع والديه هو أقل الأطفال حظاً من الكذب لا نر لا يشعر بضرورة الحصول على هذا الأمن وتلك الطمأنينة عن طريق آخر غير طريق الصدق والأمانة.
كما أن الطفل الذي ينشأ في أسرة وحاضنة صحية مشبعة بالقيم والمبادئ الإيمانية يترعرع في هذه البيئة ويكبر وقد اكتسب مناعة وحصانة ضد الكثير من الأمراض الاجتماعية السائدة في المجتمع.
إن الطفل الذي يتعايش مع الأمانة في جو أسري إيماني صحي لابد أن يكون أميناً صادقاً والاقتداء بأخلاق الرسول الأعظم محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ الذي وصف بالصادق الأمين.
د. عبد السلام الصلوي
علموا أولادكم الصدق والأمانة 2866