الذي يحس بالعجز في إقناع الآخر بفكرة ما، يلجأ لاستجداء عاطفته واستجداء العاطفة قد يكون بتنميق القول أو بالوعد في وظيفة أو إحلاله كبديل عن حزبي آخر مفروغ من انتمائه لحزبيته ومختوم عليه بالشمع الأحمر وعندها لا ضير أن نستألف قلب هذا الجديد مقابل إبعاد ذلك القديم المضمون ولا ندرك ساعة ذلك أننا بالنسبة للمستبدل بمثابة من يعلن عليه الحرب النفسية على نفسه وعلى قيم العلم والإسلام فخطأ التصرف قد يهدم أكثر مما يبني..
إن العاقل الموضوعي يستقبح شحاتة عواطف الآخرين كبديل عن إقناع وعيهم، ويستقبح أكثر عندما يدفع مال الشحاتة من مال الغير أي يتضرر بها الآخر الذات ومعه القيمة (المخرجات العلمية ) طلاب العلم عندما تخرج فقاعات -بدلا من كفاءات- نجحت بفلوسها لا بوعيها .. فعيب كبير من أكاديميين رائعين أن يلجؤوا لمثل هذا أسلوب في الكسب إنها وسيلة غير لائقة في مجال العمل الإسلامي والصرح العلمي على السواء لأننا مسلمون أولا قبل أن نكون أكاديميين، فالغاية في المقصد القرآني لا تبرر الوسيلة البتة بمعنى أن الغاية النبيلة وسيلتها أنبل منها.
ثم هم يغفلون أن الدينامو الإنساني (العقل) لا يعمل ولا يبني ولا ينتج إلا عن طريق الإقناع, لكن عندما نستبدل شحذ الهمم والأفكار بشحت العواطف فهي طريقة /كاذبة خاطئة/ وغير لائقة ولا ترتقي إلى احترام عقل الإنسان؛ لأنها باختصار تتعامل معه بطريقة البيع والشراء وهذه طريقة -للأسف - أقرب للبهيمية منها للإنسانية العاقلة ، وعندها أكاد أصاب بالذهول عندما يصدر مثل هذا بيع وشراء من علية القوم ثقافة (الأكاديميين) !! قد يسمون هذا شيئا آخر يطلقون عليه تعزيزاً أو تشجيعاً للانتماء الحزبي والوظيفي, فأقول قد نقبل بمثل هذه تسمية وإن كانت أشبه بمكياج يجمل غير اللائق ليجعله يبدو في صورة اللائق لكن قد نجوز هذا في السياقات الطبيعية أي عندما لا يتضرر منها شخص آخر ولأهم القيمة . أما في حالة التضرر فإنها تضل وسيلة غير لائقة من حيث أنها أشبه بالتسول العاطفي من ناحية المتسوِّل والمتسوَّل له؛ أضف أنك قد تربط الفكرة بالنفعية في المستهدف فأنه سيكون منتميا للمؤسسة أو الحزب انتماء برجماتياً نفعياً تنخلع عليه دلالة قوله تعالى: (ومن الناس من يعبد الله على حرف) أي يكون حديا غير ثابت تنطبق عليه مقولة أو عبارة "الحزب في الجيوب لا في القلوب" مثله مثل مدعي الوطنية الذي يقول "الوطن في القلوب" وحقيقة حاله الوطن في الجيوب وكأن كلامه هذا ليس على وجه الحقيقة، لكن- مجازاً- علاقته المجاورة حيث أراد الجيوب واستعار لها القلوب.
أنا قد أعذر الأحزاب العلمانية التي تستجدي عواطف الأفراد لأنها تفتقر إلى فكرة مقنعة تقنع بها وعي الآخر فتلجأ إلى شرائه أو استجداء عاطفة مقنعة أو قلوب عليها أقفالها أي مفصولة عن مصدر النور العقل ، لكن في العمل الإسلامي -الذي يعمل فيه عقل المرسل والمتلقي على //قاعدة الإقناع//- يكون عيبا وأي عيب أن نلجأ لمخاطبة الأخر عبر "جيبه أو حتى قلبه (عاطفته)"، ويأتي العيب من أنك تعمل لفكرة هي في غاية النبل ورفاعة القيمة وهذه يكفي معها الإقناع بل هي تُحتَرم وتَحترِم عندما تُقنِع أو تُقنَع إقناعا .. وتقلل من شئنها عندما تعرضها للبيع الرخيص البئيس الذي يظن من صنع ذلك أنه يخدم الإسلام وفكرته وعلم وبزته (المعيارية) وما علم أنه في الحقيقة يهدم؛ لأن تربية الناس على مثل هذه طريقة تستهدف العاطفة (لا الوعي) هي فاشلة سوف تريك في المستقبل القريب مثل ذلك الخائن الذي نزل فيه قوله تعالى (فمثله كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث) وذلك الذي يبيع فكرتك للذي يدفع أكثر؛ لأنه عندما تستجدي للفكرة التي تؤمن بها استجداء ولا تقنع بها الآخر إقناعا فأنك تزرع بذورها عاطفية نفعية لا قيمية عقلية. وهذا النبت عندما يظهر لك يوما أنه قد استغلظ واشتد سوقه فإنك تمنحه الاستقلالية في العمل وما فكرت يوما أنك أنميته عبر قلبه لا عقله فإذا بالذي كان سوقه شديدا يصبح سوقا منفتحا للبيع والشراء . إن الذي لا يدرك طبيعة العمل الإسلامي أو حقيقة كيفية عمله في دنيا الناس فإنه قد يسيء له وللعلم بحسن نية وهذه حسن النية هي -بامتياز - عاطفية. والذي يجعلك تعض أناملك من الغيظ ليس حزنا على نفسك ولا فقدان مكانك لآخر أقل منك ولكن على هوان صاحب القيمة بجانب إغراءات الخميصة والقطيفة - تعس صاحبها وانتكس وإذا شيك لا انتقش - إذا عرفت أن هذا الأمر يحصل في سياق "المجدد الثالث للجامعة" إذ في عهده يتم استبدال دكاترة بدرجة "أستاذ مساعد" من قبل رؤساء أقسام بك تربية بطلاب من جامعة إب .. والمعيار في أحد البدائل ليس لأنه كفء في التدريس بل لأنه يمثل (ابن عم) لرئيس القسم في الجامعة.. وتتفاجأ أكثر عندما تجد رئيس القسم نفسه طالبا أيضا؛ فطالب يقوم بالاستغناء عن أستاذ مساعد ليعين بديلا عنه طالب مثله ذكرني هذا بالسيسي الذي عينه رئيس الجمهورية ليرجع السيسي يعزل رئيس الجمهورية إنها سياسة الطراطير تتواجد في كل زمان ومكان؛ لأنه أي (الطالب) المعين ابن عم رئيس القسم (الطالب) وتتم هذه المهزلة في وجود "مجدد الجامعة" وباني نهضتها للعام ٢٠١٣/٢٠١٤ م. لكن الداهية العظمى ليست فيما سبق، لكن عندما يدور حوار بينك وبين هذا المجدد في سياق ما وفي يوم ما مفاده: "إنني تركت العمل في الجامعة لأن الجامعات الأهلية تطلب منا أن نكون أكاديمي النجاح لطلاب لا يستحقون النجاح" هذا الكلام صدر عنه يوم كان متعاقدا بنظام الساعات -وأشكر هذه اللحظة التي جمعتني به لتمنحني فرصة التعرف على معادن الناس- لا أخفيكم ساعتها أنني تفاءلت كثيرا عندما عين هذا السين من الناس رئيسا للجامعة؛ لأنني أحسست ساعتها أنه قد حصلت ثورة تغيير في اتجاه تقديس العلم وحب الوطن لمعرفتي بمعيارية هذه الشخصية الأكاديمية التي كانت وما تزال تهز أركان جامعة إب هزا لكن يبدو أن الإغراء المادي يُخضِع المعيارية لأن تُضبَط وتُحكَم بدلا من أن تقوم هي بدور الضابط والحاكم, فاليوم وقد صار رئيسا للجامعة ويتقاضى الراتب المعتبر، فإن القيم والمعايير العلمية والمهنية مسألة فيها نظر ، فمبلغ (١٠٠٠ دولار أمريكي) تكفي ليتعامل الأكاديمي مع مهنته العلمية تعاملا غير لائق لأن الاعتبار ساعتها هو اللائق فعندما يكون أبو المعيارية رئيسا لجامعة "رؤساء الأقسام فيها طلاب" (بك تربية) ويقوم هؤلاء الطلاب بالاستغناء عن الأكاديميين ليعينوا أو يتعاقدوا مع طلاب مثلهم فأنك تغير نظرتك سريعا في "فهلاوني الكلام"، علما بأن رئيس القسم لا بد أن تكون درجته العلمية -حسب المعايير الأكاديمية التي تناسها أبو المعيارية - "أستاذا مشاركا" "لا أستاذا مساعدا" فكيف يجيز هذا المجدد مسألة أن يكون رئيس القسم طالبا !! طبعا هذا مثل فقط وإلا فركوب المعيارية هو السائد والسيد في الجامعات الأهلية ومثلها المستشفيات! ومن هنا نصل إلى مسلمة مفادها: إن شعار المستشفى الأهلي هو نفسه شعار الجامعة الأهلية الأول يغتال في الإنسانية حياة النَّفَس والثانية تغتال حياة الوعي لأن شعار الاثنين -عندما تغيب القيم وتختفي القلوب وراء الجيوب- الريال ثم الريال ثم الريال (ثم المريض/العلم). إنه إذا تم التعاقد مع طالب بديلا عن أستاذ مساعد أكاديمي فأنت أمام "نجاح جامعات" أبو ريالين!
د.حسن شمسان
أمام الراتب المعتبر.. تبقى القيم مسألة فيها نظر (!) 1392