بينت الفترة الماضية من عمر التسوية السياسية أن "حكومة " الوفاق" أخضعت منذ تشكيلها ـ شكلاً ومضمونا لتوجهات وتوجيهات (الإخوان) ممثلا بحزب الإصلاح ، الذي ركب موجة التغيير واختطف ثورة الشباب ، مع حزبين (يساريين) شريكين قدر لهما أن يكونا شريكين في وأد ثورة الشباب المسروقة .
وبمجيء هذه الحكومة على إثر المبادرة الخليجية ، واختطاف ثورة الشباب وضياع دماء الشهداء ضاعت واختطفت شعاراتها المطالبة بــ" القضاء على مظاهر الفوضى والفساد ، وبناء الدولة المدنية ، وتحقيق مبدأ تكافؤ الفرص" وٍاستفحلت ممارسة الفساد وتوسعت رقعته وبصور أبشع وأقبح مما كان عليه في السابق ومما ثار عليه الناس قبل 2011م ، والفارق أن فساد حكومة "الوفاق" يتم برعاية وغطاء دولي وإقليمي ، ويمارس بلا حياء وبدون رقيب ، الأمر الذي سقطت معه شعبية هذه الحكومة ، وفقدت القوى التي حُملت على أكتاف الثوار إلى كراسي السلطة شعبيتها ، وتراجع دورها في الشارع العام وأصبحت محل تندر وسخرية العامة والخاصة، وهو ما شعرت به، وتشعر بخطره في حال مواصلة السير في طريق تنفيذ المبادرة الخليجية ، والدخول في الانتخابات البرلمانية المحدد إجراؤها بالتزامن مع إنتهاء الفترة الانتقالية مطلع العام المقبل 2014 م .
ومن هنا فقط جاءت فكرة " الانقلاب" على المبادرة الخليجية ، لتعمل على تحقيق ثلاثة أهداف كبيرة :
1. إغراء الرئيس هادي بالتمديد لفترة رئاسية جديدة ، ليس تيمناً وحباً في الرئيس وإنما رغبة في التمكين والسيطرة التدريجية على مؤسسات الدولة المدنية والأمنية والعسكرية ، وصولاً إلى "أخونتها" بطريقة تدريجية وهادئة ، حتى يتم تجنب ما حدث في مصر، وهو ما لن يتحقق بدون التمديد للرئيس هادي ، وقد أفصحت الضغوط التي يمارسها قادة الإصلاح على الرئيس هادي عن هذا التوجه مقابل قرارات جمهورية بتعيين كوادرهم الحزبية في مواقع قيادية في الوزارات والمحافظات وكرؤساء لمؤسسات ودوائر حكومية مالية واقتصادية ورقابية.
والتوجه للتمديد يلاقي هوى ورغبة عند بقية أعضاء المشترك وبالذات عند الاشتراكيين والناصريين ، اللذين يدركوا بأن المرحلة الراهنة ليست مرحلتهم ، ولكنهم يسعون للاستفادة منها بقدر ما يستطيعون ، ولذا فهم يضغطون باتجاه الحصول على المزيد من المكاسب في المرحلة الحالية.
1- تجنيب "الاصلاح"، وحليفيه (الاشتراكي والناصري) الدخول في الانتخابات النيابية المقررة وفقا للمبادرة الخليجية 2014م ، لأن كلاً منهم يدرك جيداً أن خسارته ستكون كبيرة وماحقة ، خاصة في المحافظات الجنوبية والشرقية ، والكل - بالتأكيد - يعلم حجمه وإمكاناته .. ورحم الله حزبا عرف قدر شعبيته .. فتشير التقديرات إلى أنه في حال دخل هؤلاء إنتخابات حرة ونزيهة، فلن يحصدوا فيها أكثر مما كانوا يحصدونه في زمن الرئيس صالح ، الذي كان في أحيان كثيرة يتواطأ مع (الإصلاح) بالذات ومع (الوحدوي الناصري)لإسقاط بعض مرشحي حزبه لصالحهما ، كما حدث في أخر انتخابات برلمانية 2003م في صنعاء وتعز وبعض الدوائر والمدن الرئيسية.
2- إحلال ما يسمى بـ(المجلس الوطني التأسيسي) ممثلا بقوام مؤتمر الحوار- الذي يسيطر عليه (الإخوان) ويتحكمون في إدارته وتوجهاته - محل مجلسي النواب والشورى ، ويا نعمة الله بسهولة ويسر وبلا انتخابات وفشل ووجع رأس ، يكونوا قد سيطروا على أهم مؤسستين دستوريتين في البلاد .
نحن هنا لا ننجم ولا نقرأ كفوف الممسكين بزمام السلطة في المرحلة الراهنة، ولكننا نبين فحوى ما يتهيأون له ، وما يسربونه ويرددونه في قاعة حوار الموفمبيك، فهم يتحدثون بهوس عما يمكن أن يقود إلى الانقلاب على ما تبقى من ثورة ومبادرة خليجية ..عبر مشاريع "التمديد" للفترة الانتقالية وما يسمى بـ"المرحلة التأسيسية" .. التي تعني فيما تعنيه القفز على الاستحقاقات الدستورية المقررة في العام 2014 م .
المخاطر:
نحن نتمنى أن لا تكون هذه التوقعات دقيقة ، ونتمنى أن تثبت سلطة اليوم (معارضة الأمس)عكس المتوقع ، ولكن من خلال الثبات على ما تم التوافق عليه والدخول في انتخابات نيابية وفقاً للمبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية ، وبدون تلكؤ وتآمر على مستقبل اليمن ، وهو ما ننصح مخلصين بالسير في طريقه ..
ذلك لأن الانقلاب - المتوقع - على المبادرة الخليجية التي جاءت بتوافق محلي وغطاء اقليمي ودولي ، ستنتج عنه – إذا ما استكملت حلقاته وفقا للسيناريو المعد – مخاطر محتملة كبيرة لعل أبرزها يكمن في التالي:
1- عودة البلاد إلى المربع الأول والسماح مجدداً بإشاعة الفوضى والتمرد على كل ما يمكن أن يحفظ للبلاد كرامتها ، وما تبقى لها من أمل في تحقيق الأمن والاستقرار.
2- تكريس ممارسة التقاسم الحزبي وتغليب مصالح الأحزاب والفئات على المصلحة الوطنية العليا للبلاد .
3- الوصول إلى فشل الدولة باحتمال انفلات المؤسسات وتفكك القوات المسلحة وتوسع دائرة الحروب والصراعات القبلية والطائفية والمذهبية ، وتقسيم البلاد إلى دويلات صغيرة متناحرة تبعاً لما يحدث اليوم في حروب دمَّاج صعده .
4- توسع التدخل الخارجي والمزيد من الارتهان للمخططات الإقليمية والدولية، وتحويل البلاد إلى ساحة صراع إقليمية ودولية ، كما هي مؤشراتها بينة وواضحة اليوم .
5-التراجع عن مواصلة تعلم أبجديات حق الترشيح والانتخاب التي تتعلمها ما تسمى بالديمقراطيات الناشئة ، وما سيترتب على ذلك من تراجع في نظرة وتعامل العالم الخارجي مع اليمن .
وهذه المخاطر المحتملة التي أصبحنا نعيش بعض تفاصيلها في كثير من مجريات الأحداث ، ونصبح ونمسي على نذرها ، لن تظهر- بالتأكيد - دفعة واحدة ، ولكنها ستأتي تباعاً، تبعاً للتداعيات السياسية والأمنية التي تعتمل في الساحة الوطنية بتأثير وفعل قوى داخلية مرتبطة بمصالح وأجندات خارجية ، فاليمن اليوم أصبح يعيش تحت مظلة الوصاية الدولية ، وتتنازعه مصالح وقوى أجنية ، شئنا أم أبينا.
*رئيس مركز الوحدة للدراسات الاستراتيجية
د.عبدالوهاب الروحاني
الانقلاب على المبادرة ..الأهداف والمخاطر!! 1400