في البداية إنّ حياتنا لا ترتبط بوقت معين ونحن نودّع الأيام ونستقبل أخرى ولن نستطيع أن نفعل شيئاً سوى ما كتبه الله لنا، واليوم الذي يرحل يخبرنا بأن أحداث الحياة مهما بلغت قساوتها سوف ترحل وتختفي من أمامنا كالغيوم التي تدركها سطوة الرياح، هناك أمل فينا ولكن من نوع غريب يدفعنا إلى الغد بكل تأن ٍ ليعلن صراحته أمامنا بأنه لا شيء يتغير في الحياة سوى المكتوب في اللوح المحفوظ. إن الأيام تمر وتسرق معها شيئاً من أمامنا ونحن من نسمح لها بذلك لأننا نعي حقيقة الأحكام الإلهية التي يصدرها أحكم الحاكمين وإن أعمارنا المتبقية ماهي إلا أصداء متكررة لتلك الأصوات التي فقدناها منذ زمن ٍ بعيد. أكاد أجزم بالقول أن أعتى المصائب لا تأتي إلا في الوقت الأجمل فكم من أعزاء على قلوبنا وأولياء أمورنا وأشقّاء وأمّهات وأبناء فارقوا الحياة من أمامنا ليقضوا بقية أعمارهم في عالم البرزخ حيث وهبهم الله تأشيرة دخول مجانية إلى القبور وسيأتي الدور الذي نغادر فيه من هذه الدنيا ونترك أحبابنا يغتنموا الفرصة في الحياة بما تبقّى لهم من العمر والجزاء دائماً يأتي من جنس العمل. لقد رحل عام بأكمله وابتسامتي ارتكزت على وجع دفين, أقف اليوم بجوار محطة العام المقبل الجديد لأقترض الأمل المتبقي من حياة مليئة بالأحزان وياليت أن يعود ذلك الإنسان الذي مات ضميره وهوما يزال حياً يُرزق!, ليت أن يعود المرجفون والماكرون إلى رشدهم قبل أن يسرق الموت الحياة من أمام أعينهم، ليت أن تتحول الأتراح إلى أفراح يملأها الحب والإخلاص والوفاء. غيبي أيتها الشمس ولا تعودي فإن الطيبين رحلوا ولن يعودوا، فذاكرتي مُتخمة والقلب معبأ بأشيائهم، ضحكاتهم, أصواتهم, أحلامهم، لهم رسم خاص يستحيل على الزمن ردمه بتراب النسيان، قد يلهو الفراغ أحياناً فوق رأسي فيدفعني إلى الحنين بأمل اللقاء ولكن هيهات أن يعود ذلك اللقاء مع من أحببت حولي, لكني أدرك أن في الزمن دروساً لابد أن نتعلمها جيداً، فلقد مات الذين لا يستحقون الموت وعاش الذين لا يستحقون الحياة.
خليف بجاش الخليدي
زمن يلبس ثوب الحَزَن 1202