ماذا جرى للحوثيين؟ لماذا يدمرون كُل شيءٍ حولهُ! ماذا جرى لهُم؟ كأنما بهم مَسٌّ من الشيطان! ألا يقرأون التاريخ أو يتعظون من أحداثه و إيقاعاته؟ الله سبحانه خلقنا وأرسل الرسل لهدايتنا ونصَّ على أن "من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر" ونص على أنه "لا إكراه في الدين", جميع الرسالات السماوية كانت ومازالت تُبيِّن الأحكام وتدَع أسلوب ونمط تطبيقها في الواقع على عاتق البشر؛ أي أنَّ الحُكم لله ومُمارسة الحُكم وتنفيذه متروكٌ للناس, ولو أن الحُكم لله وممارسة الحكم لله لما كان هُناك ابتلاء ولا امتحان.. الاختلاف في النُظم السياسية سُنةٌ كونية ولو أن الحاكم مُرسل من عند الله لسمعنا وأطعنا ولما كانت هناك إشكالية بالنسبة لنا نحنُ المسلمين فنحن في كُل الأحوال نتعبَّد الله بطاعة أوامره ولكن باستقراء الدين الإسلامي لم نجد نصاً قطعي الدلالة والثبوت أو ظني الثبوت قطعي الدلالة يدل على أنه يجب أن يكون الحاكم مُرسلاً من عند الله بواسطة نسل نبيه, كما أنه لا يوجد دين سماوي - سابق على الإسلام - قد نص على أن مُمارسة الحكم محصور في نسل نبيه وظيفة الرُّسل كما فهمناها وفهمها غيرنا في التاريخ وفي الحاضر, هي تبليغ رسالة وليسَ مُمارسة سلطة سياسية كـدين وتوريثها كـحق؛ وجُل ما دعا أبونا إبراهيم ربه هو أن يجعل في ذُريته النبوة وليسَ السُلطة السياسية, فهذه الأخيرة لا تُوهب ولا تُورث, فهي خاضعة لأسباب وشروط موضوعية اجتماعية لذلك لم ينص القرآن على توريث السلطة السياسية وجعلها شورى بين المسلمين بحسب ظروفهم ومرحلتهم التاريخية كما أن رسولنا الأعظم - صلى الله عليه وسلم - لم ينص على توريثها لسببٍ بسيط هو أن محمدا رسول ووظيفة الرسول مُحددة بطبيعة الرسالة التي حصرها القرآن بالنص "وما أرسلناك إلا رحمةً للعالمين" كما أنَّ المفهوم العام للسُلطة في الإسلام أنها ضرورة اجتماعية وليست ضرورة دينية؛ فهي ليست ركنا ولا شرطا في الإسلام وبالإمكان مُمارسة الدين بدون سُلطة سياسية.. وكان رسول الله يؤسس لهذا المفهوم ولقد مارس السُلطة السياسية كضرورةٍ اجتماعية وليسَ كضرورةٍ دينية, فالمجتمع ـ بحسب ظروفه ومرحلته التاريخية ـ يختار سلطته السياسية ولو كانت السلطة السياسية ضرورةً دينية منصوصا عليها من الله وأن الحاكم يجب أن يكون من عند الله لنصَّ القرآن على ذلك, فمن غير الجائز عقلاً أن يُحدد القرآن ماهية جريمة الزنا وعقوباتها ولا يتطرَّق إلى ماهية السُلطة السياسية ولا يتطرَّق على أن الحاكم يجب أن يكون من عند الله حصراً على نسل نبيه وهل يجوز على الله تأخير البيان عند الحاجه؟! وهل كان يجوز لرسولنا - صلى الله عليه وسلم - أن لاُ يُبين هذه المسألة الخطيرة خلال ثلاثةٍ وعشرين سنة من ممارسته الدعوة في مكة والسلطة وملامح النظام السياسي في المدينة, ولوكان هناك نصَّ بذلك لماذا اتجه الصحابة إلى السقيفة لاختيار خليفة؟. ويجب أن أبيَّن هُنآ أني لا أبحث عن الحقيقة التاريخية, فهذا ليس مُقامها ولكني أصفُ ما قررهُ التاريخ, غير أنه من الواضح أن الله سبحانه ـ من خلال جميع أنبيائه ورُسله ـ قد بيَّن أنَّ النص الحاكم من عنده سُبحانه وأن مُمارسة السلطة السياسية من أجل تطبيق النصوص متروكٌ للبشر وظروفهم ومرحلتهم التاريخية وهذا ما وقع بالفعل بعد وفاة الرسول - صلى الله عليه وسلم - فالغالبية العظمى من الذين حكمواْ في الحضارة الإسلامية لم يكونواْ أو يدَّعواْ أنهُم من نسل الرسول إلا في حالة كون هذا النسل تم اختياره برضا الأمة, كما وقع للإمام الحسن ومن قبله أبوه الإمام علي - رضي الله عنهما - فقد اختارتهما الأمة ولم يرسلهما الله ولم يتولياْ السُلطة بداعي الإرث والحق الإلهي بل بالشورى.. لستُ أدري إلى أين يسير الحوثيون؟ ولماذا يُصرُّون على استنساخ أخطاء من سبقوهم في التاريخ, ويدخلون في صِراع مع الأمة ومع ذواتهم ومع الله؟ لماذا يُوغلونَ في الدماء ويُهلكون الحرثَ والنسل بداعي أن لهم الحق الإلهي والحصري في الحكم, بداعي أنهم من نسل بنت رسول الله وأنهم فوق الناس وفوق القوانين وفوق الحق؟. حين أنظر إلى السيد عبد الملك لا أجد فيه بسطةً في المال والجسم - وهو الاستثناء الوحيد الذي ذكره القرآن كَمؤهل للحُكم من عنده - لا أجد فيه إلا قبيلياً غلبت عليه شقوتهُ ونفسه والهوى..! وللحقيقة التاريخية أقول: بدخول الحوثيين الحوار الوطني ظنناهم قد سلكواْ الطريق السوي وأنهم قد استوعبواْ التاريخ؛ لكن الإشكالية أنه ما إن يُطل علينا الإعلام بانتصارات عسكرية "لحزب الله" إلا ويشتاق القوم لانتصارات مثلهم, وما إن يُطل علينا الإعلام بإشكالية ما بين إيران والسعودية أو ما بين حزب الله والسعودية إلا ويشتاق القوم لمُنازلة أعدائهم!! وهل هُناك من كَفرةٍ في صعدة يسهُل القضاء عليهم سوى السلفيين وطُلاب العلم الذين في دماج ؟! وإذا بالحوثيين ينسون العملية السياسية والحوار الوطني ويشتاقون "للأيام الخوالي" والانتصارات على أمريكا مُمثلةً بالجيش أو السلفيين أومن يُخالفونهم فكرياُ!! إشكالية الحوثيين هي أن تأثير الخارج يغلبُ عليهم وعلى مصلحتهم ومصلحة وطنهم والأخطر من ذلك وفرةَ السِّلاح لديهم, يجعل أصابعهم تحُك أيديهم وتطغى على عقلانيتهم وتتجهُ بهم صَوب الانتحار السياسي, متى يُدرك الحوثيون أن القوة المادية التي لديهم لا يمكن أن تصنع لهم نصراً في أوساط هذا الشعب بل تزيدُهم خسرانا واستعداء للآخرين عليهم!؟ متى يُدرك الحوثيون أنهم حققواْ بالسلام مالم يُحققوه بالبُندقية وأن اشتراكهم السلمي الرمزي في الثورة الشبابية واشتراكهم في الحوار الوطني قد حقق لهم نصراً سياسياً واجتماعياً لم يكُن في الحسبان واختصر لهم من الزمن ما يربو على خمسين عاماً وأن مليون بندقيه وبندقيه لم تكن قادرةً على أن تصل بالحوثيين سياسياً إلى ما وصلواْ إليه!؟ كان على الحوثيين أن يستغلواْ الوضع السياسي والدولي والفرصة المواتية لهُم ويطمئنوا اليمن والعالم أنَّ لديهم القُدرة والرغبة في التعايُش مع الآخرين وإن اختلفواْ معهم فكرياً؛ وأن يمحواْ تاريخهُم "الإقصائي" غير أنهم لم يفعلواْ ذلك وكأنَّ القوم ليس فيهم رجُل رشيدٌ واحد! واليوم يرتكب الحوثيون خطاءً استراتيجياً عميقاً بقصفهم دمَّاج وقتلهم الأبرياء منهم واستعداء الأحرار والقبائل عليهم وهو خطأ لا أجد له وصفاً إلا أنه "انتحار سياسي" وسيعقبه إفلاس على المستوى الأخلاقي ومن ثَم الانحدار إلى مستوى الانحطاط التاريخي, إلا أن يتدارك القومُ أنفُسهم ويُغلّبواْ لغة العقل والمنطق على لُغة السلاح.. فهل يفعلها الحوثيون؟؟؟ أتمنَّى ذلك.
د. عبدالله الحاضري
الحوثيون والانتحار السياسي 1375