تخيم على بلدنا وبعض دول الربيع العربي، خاصة وبعض الدول العربية عامة سحابة قاتمة تترك آثارها في صحة عقولنا وصحة أجسامنا، فحيثما وليت وجهك ألفيت تذمراً وسمعت شكوى حتى أصبحت الشكوى أو كادت أن تكون صفة ملازمة لكل مواطن، فقيراً كان أو غنياً، شاباً أو مسناً موظفاً حكومياً أو عاملاً، موظفاً في القطاع الخاص، حرفياً أو مهنياً أو عاطلاً عن العمل ولا تكاد تستمع إلى أحد إلا وجدته مسلماً أعنة نفسه إلى التشاؤم فهو يتبرع بالحالة السياسية المحلية، ويتبرم من الأوضاع الاجتماعية والأمنية ثم هو يتبرع بحالته الصحية والمعيشية.. تصغي إلى شكاته فتجدها متلاحقة متتابعة، كأنها ترنيمة شجية ألف ترديدها، بل هام في ترتيلها.. والمرأة في الدار تشكو "عصبية" زوجها وخروج أولادها عن المألوف وفقدان السيطرة عليهم، فإن لم تجد ما تشكو منه شكت الجو وتقلباته والخط وعثراته هذه النظرة السوداوية التي لا تلتفت إلا إلى أحلك كهوف الحياة وأظلم مغادرة العيش تكسب حياتنا لوناً قاتماً، وأجسامنا عللاً دفينة وتجعل نفوسنا منقبضة وصدورنا ضيقة وأيامنا حزينة. يفد كثير من المرضى على العيادات الخارجية للمستشفيات الحكومية والخاصة وعلى العيادات الأهلية شاكياً عللاً وأمراضاً لا تلبث ليلها أن ينصاح أمام الفحص إذ أن منشأها ذاتي نفساني، وأنها ناجمة عن التشاؤم لا عن عدوى مرض مألوف أو عن إصابة بكتيرية. كانت حلقات المقاهي ومجالس المقيل والسمر الليلية في الماضي حلقات أنس وسرور فإذا بها تغدو اليوم حلقات عرض واستعراض للحالة الراهنة وتفصيلها وذكر مساوئها وسلب محامدها ومزاياها، ثم يأوي السامرون إلى أسرتهم يطلبون النوم فيعز على العيون أن تغمض لها أجفان حتى في الليالي التي تنقطع فيها الكهرباء وما أكثرها حدوثا، فيحالفهم الأرق مصلباً جفونهم على فراش السهار،. ويخيم على بعضهم الآخر ظلام الأسى، حتى إذا أخذته سنة من سنان الكرى أو هجمة من هجمات المضاجع، فانقطع التيار العصبي بين العقل والجسم قام العقل لباطن في ترجيع صدى أحاديث الأمسية فتكتسي الأحلام طابع الأسى والألم حتى إذا ما انقشعت ظلمة الليل وبزغ نوع الصباح، قام صباحنا يشكو متآفنا.. أو يشكو صراعاً في الرأس وإعياء ومللا، ويجر نفسه إلى العمل جراء مثقلاً مهموماً.. وإذا أقبل على الطعام أقبل بحكم العادة بلا شهية ودونما سبب مرضي ظاهر. وإن تكرر هذه الأحاديث والشكايات والتذمر كل يوم يورث صاحبها ومستمعيها وهناً نفسياً وضعفاً جسمياً تبدو آثاره وعلائمه على الشخص حتى يصاب بضعف التركيز وحالة النسيان وتظهر آثار الكآبة والضجر في أسارير وجهه ثم يفقد ثقته في نفسه وفي شريكه أو أخيه وفي جاره وذويه وأقاربه وأبنائه، ذلك ما يسمى بمرض "الأرتباب" وإذا لم يبادر إلى معالجة هذه الحالة، سار المرض النفسي سيراً حثيثاً سيئاً وازدادت أعراضه شهراً بعد شهر وسنة بعد سنة فيخفق المصاب في حياته وأعماله وقد يؤدي الأمر أحياناً بالمصاب إلى الانتحار، وما من علاج وقائي لما دهمتنا به المدنية الحاضرة من أمراض نفسية وأعراض مزاجية أعظم تأثيراً من أن يلقي الإنسان الحياة ضاحكاً مستبشراً متفائلاً بالمستقبل ويترك لنفسه العنان فتجوب آفاق الرجاء والمرح فيتقبل ما تأتي به الأحداث بابتسامة عريضة ساخرة وصدر واسع رحب، لقد اعتادت الأمهات في بعض الدول الغربية غرس روح التفاؤل والرضى بالواقع في نفوس أولادهن قبل أن يشبوا عن الطوق وغرس الروح الإيمانية في نفوسهم وروح البهجة والسعادة، ويستقبل الصباح بشوشاً مرحاً. ولا يعالج المصاب بهذا المرض، مرض التشاؤم والشكوى إلا بالارتماء في أحضان الطبيعة الهادئة وترك ضجيج المدينة ولو يوماً كل شهر، واللجوء إلى حلقات السمر المسلية فذلك أصفى للذهن والفهم وأضفى للسعادة الداخلية التي تعين المرء على تحمل متاعب الحياة ومصاعبها وهموها. وأخيراً فعلى كل من يشعر بالخمول أو النسيان أن يعتاد على الحمامات الباردة كل يوم وعلى كل من يشعر بالأرق أو القلق الإلتجاء إلى الحمامات الفاترة مساء كل يوم والأدوية الفوسفورية وخلاصات الغدد الجنسية وعسل النحل النقي، مضافاً إليه غذاء الملكة، لأن تلك المواد تعين على إنقاذ كل مصاب بهذا المرض.
د.عبدالسلام الصلوي
دع أنشودة السعادة والتفاؤل على لسانك 1452