الدكتاتورية ليس مصطلحا أو مفهوماً سياسياً ارتبط بالسياسة العلمانية، بحيث نعرف من خلاله "الدكتاتور" بأنه الذي يتولى أماكن صنع القرار في دولة ما ويمتلك قبضة أمنية يسعى من خلالها ليفسد ويهلك الحرث والنسل, بل إن حقيقة الدكتاتورية التسلطي هي جرثومة أو لوثة تخترق أنسجة الوعي في الإنسانية، وهذا يحدث نتيجة عدم التوازن في أعمال أدوات الفكر التي زودت بها الإنسانية ساعة ولادتها؛ (والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئا وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة), فالإنسانية تعمل أو تفكر عبر طريقين, أحدهما عقلي والآخر عاطفي. ولما كانت الإنسانية نوعين (ذكر وأنثى) كان التفكير لدى الذكر أقرب للعقلانية، ولدى الأنثى أقرب إلى العاطفة؛ لأن الأنثى جبلت بميل عاطفي هو من صميم فطرتها وهذا الميل يتناسب مع أنوثتها الرقيقة؛ وبناء عليه لنفترض أن الأصل في الذكورة أن تعمل أو تفكر أو تعي الأشياء بعقلين (السمع والبصر) وبعاطفة واحدة (الفؤاد)، مقابل أن تعي المرأة الأشياء وتفكر وتتخذ القرارات بعاطفتين مقابل عقل واحد؛ وهذه النسب تتناسب مع الميل العاطفي للأنوثة والميل العقلي للذكورة؛ فالأولى تغلب العاطفة والثانية تغلب العقل. لهذا.. الأصل أن تتسيد الروح الذاتية عند الأنوثة مقابل تسيد الرح الجمعية لدى الذكورة؛ ولما كانت العاطفة من فاعلة تعطف العقلانية إليها ولا تستقيم حلال في سياق العلاقة الزوجية التي تقوم المتعة الزوجية على أساسها؛ فإن هذا الانعطاف للعقلانية في وعي المسائل الحياتية المصيرية خط أحمر لأن الانعطاف ساعتها سيكون نحو الذات الفردية على حساب الصالح العام, بمعنى أن تنازل العقلانية ورجوع خطوة لصالح العاطفية تكون حصيلته "الرومانسية" لكن ذلك التنازل إذا حصل في سياق اتخاذ قرارات مصيرية فهو أول خطوة في نمو العقلية الدكتاتورية، لهذا يكون بناء قرارات لمجر الأعجاب بالقول دون عرضه على (السمع والبصر) هو بمثابة الخطوة الأولى في طريق الدكتاتورية؛ فأول نقطة تنطلق منها استبدادية الدكتاتور "إعجاب" لا يستدعي المعايير بل يكتفي بنبر الخطاب. ولما كانت الدكتاتورية القمعية لكل مقومات الحياة المادية إعجاب؛ فهذا يعني أن "الإعجاب" المنتمي لجنون العاطفة المفرغ من لقاحات العقل يصنع كثيرا من الدكتاتوريات المتعددة الألوان والتي تخطف الأبصار بمجرد أن ترمقها الأنظار وتتلقفها الألسنة؛ لهذا فالإعجاب يحجب العقل؛ والحب إنما بدايته إعجاب.. لهذا فإن هناك نوع من الحب يجعل السمع والبصر في حكم العدم؛ نقرأ ذلك العدم في صورة تحولت فيها اللسان أداة التلقي إلى أداة إرسال؛ وذلك لا يكون إلا في سياق حب إشاعة الفاحشة بقصد شيطنة الملائكية وتكفير الإيمانية في الإنسانية، وتشويه الحقيقة في صورة تفتقر إلى أقل من جزيء ذرة في المنطقية؛ (يتلقونه بألسنتهم) إن هذا الانقلاب اللا معقول واللا منطقي في أداء أدوات الاتصال يحاكي ذلك الانقلاب في الوعي الإنساني الذي تسبب عنه ذلك الخلط. والحب الإنساني من شخص أو قائد ما لشخص أو جندي ما؛ إذا لم يخضع لقانون التفكير العلمي المنطقي قد يجعلك دكتاتورا متصدرا للفتوى -بتخصص يخبره أهله - ومؤسسا على الفتوى قرارات تقوم على أساسات اهتزاز العاطفية وتفتقر إلى ثبات أساسات العقلانية؛ وهذه القرارات قد تسلب من خلالها حق الآخر الذي يمتلك المعيارية المبنية على العقل؛ غير أنه يفتقر إلى الحب أو تلك الاعتبارية المبنية على العاطفية. إن الأعجاب بالرأي يقلب صاحبه إلى إله يقرر ولا يخطئ ويحسن ولا يظلم؛ (أفرأيت من اتخذ إلهه هواه وأضله الله على علم) فالهوى يبقى عاطفيا بامتياز يلوي ذراع (العقلانية) بيت العلم وعليه تكون السيادة للعاطفة التي تتصدر فيها الذاتية كل الفتاوي ليصبح صاحب الذات بكل شيء عليم يفتي في كل تخصص ويختزل كل وعي في وعيه ليسرف في غيه ويصيب الإنسانية من عيه.. إنها ليست دكتاتورية زعيم تهلك الحرث والنسل أي تسيل الدم بل إنها دكتاتورية تقتل جوهر الإنسانية فما أشد هذه الدكتاتورية وهي متخصصة في سفك القيم وهل الإنسانية إلا تلك القيم!!
د.حسن شمسان
الدكتاتورية.. بدايتها إعجاب.. وآخرها سراب (!) 1365