بين عَجَبِ المواطن من الحال وعُجبِ المسئولين بأنفسهم تلح علينا عشرات الأسئلة متداركة الأزمة الراهنة بأسبابها وحلولها اللذين لا يخفيان على أحد وإن كان سطحيًا في متابعة الأحداث ومجريات الأمور!، بين فتح العين وضمها تختبئ جميع الدوافع والنظرات التي رأى كل منهما الوحدة والثورة والسلطة والتوافق بعينها ونواياها!، وشتان بين من فتح ليُظهِر ويبعث للآخرين صدمته وهمومه وبين من أخفى ولَملَمَ ليستر ويغطي مساوئه وجرائمه في حق شعبه، ذلك المواطن اليمني الذي جن جنون فرحة بتحقيق الوحدة اليمنية 1990م، وحدة العدل والنهضة التي كان يصبو إليها، هو نفسُه المواطن الذي جن جنون ثوريته على النظام الفاسد 2011م ليستحق بكل جدارةٍ لقب "صانع الثورة" ويوجب له بذلك التكريم لا لسواه، فهو شرارتها الحقيقية وخِلقتها الأصلية بوقوفه في وجه نظامٍ استمر يخادع شعبه سنواتٍ عديدة ويمرر عليهم خبر أنه: صانع الوحدة وبانيها وصاحب الفضل على هذا الشعب وراعي نعمته متناسيًا جهود شعبٍ باقٍ ورؤساء وأنظمة خالية في السعي حثيثًا لتحقيق تلك الوحدة التي ضُرب بها المثل إقليميًا ودوليًا وضرب بها نظامٌ تحققت في عهده عرض أقرب حائطٍ طَيَّنَه هو بيديه، مضللاً بآلاته المختلفة أنه صاحب هذا المشروع ومتغنيًا دائمًا بأنه زعيمه وحامل همه؛ منذ نشأت أولى الخطوات لتحقيقه حتى أن دَثَره بمعوله - مضللاً على الشعب - الحقيقة في أنه ليس سوى هادم وقاتل لكل تلك الجهود والإنجازات التآلفية التي استمرت سنين حتى كانت على ما كانت عليه قبل أن يأتي هو لينقَضَّ عليها فيمحي آثار الخير فيها ويبقي على مساوئ استيلاءاته وإقصاءاته للمكونات الأخرى "الجغرافية والجهوية والحزبية " التي جعلت من تلك المظالم التي كان هو موقدها - خاصةً - التي شهدتها أرضنا الجنوبية تُنسب من يومها حتى اليوم ضد كل يمنيٍ ينتمي إداريًا إلى أرض "اليمن الشمال" فأصبحت من المسلمات اليقينية لدى شريحة كبيرة من إخواننا في الجنوب رغم مخالفتها لما عليه واقع الحال؛ فاستحق ذلك النظام الفاسد لقب "الآثم الباغي" (فكفى بالمرء إثمًا أن يضيِّع من يعول). والدولة بنظامها وحكامها تعتبر عائلةً للشعب الذي استوجبت ولايتها عليه كفايته من كل ما يحتاج إليه مع الإبقاء على مبدأ تشجيع العمل وطلب الرزق والتنافس والاجتهاد بين أفراد المجتمع لا كما يفهم البعض ويحاول اتهام من يدعون الدولة لمنح الشعب كل حقوقه من أنها تحاول إماتة روح الإنتاج والإبداع بين أفراد الشعب ومكوناته، بين ذلك العَجب والعُجب تفصلنا عدة مراحل حتى نصل إلى الأخرى ويستوجب ذلك تخطي نقاط متعددة يتخللها تعدي كل حدود الشرف والمسؤولية والمراقبة ووأد الضمير، وبالطبع يتجرأ على فعل ذلك كل من سولت له نفسه اللعب بثقة الشعب الذي منحه كل تلك التفضيلات ليصل بعد تمكنه إلى مستوى يتيح له إشباع بطنه بإجاعة أبناء شعبه، بعد أن يترنح على مرتبةٍ يترفع بها عن الشعب ومطالبه، في حالقةٍ تطغى عليه فيها نظرة العُجب بنفسه والغرور بذاته عن أطياف شعبه الذي بفضله وجد نفسه في ذلك المنصب والمركز الحكومي المرموق، فبدلاً أن يشكر المنعم؛ كفر فضله!. بين هذا العَجب والدهشة المنكِرة التي أصبحت تملأ عيني اليمني البسيط وبين عُجبِ المسؤولين الذين تسلقوا على ظهر الوحدة وظهور الثوار تختبئ أهداف كلي الطرفين من الثورة؛ حيث يظهر فشل الأول والمعاناة التي يعيشها بفضل خذلان من ترأسوا هذه الثورة وأصبحوا اليوم متحدثيها الرسميين ومالكي أمر الشعب ومستقبله!، وهذان الشحب والترهل اللذان اعتليا المشهد الثوري اليمني هو ما دعا كثير من المحللين السياسيين "المحليين والدوليين" يصفون ثورة اليمن الشبابية الأخيرة بأنها:)نصف ثورة، ربع ثورة) وكل ذلك سببه خذلان وتواطؤ القائمين على الأمر اليمني وقضاياه إما لخدمة مآربهم ومصالحهم الحزبية والجهوية والطائفية أو لأنهم لم يستطيعوا فعل شيء أو تغيير ما يستحق الذكر في ظل المنظومة الفاسدة التي تحيط بهم بفعل تجذر الدولة العميقة في كل القطاعات الحيوية للدولة، فكأن الأمر كما كان قبل 2011م بل ازداد سوءاً في بعض مناحي الحياة اليمنية، وحتى إن صلح البعض وحاولوا الإصلاح؛ فَسَدوا رغمًا عنهم بفعل تأثير الفاسدين عليهم وكما يُقال: "من جالس جانس" أو مُنعوا من الإصلاح وخُلعوا - بتآمرٍ وتدبير- من مهامهم ومراكزهم التي يحاولون البدء في إصلاح شؤونها، أصبح لجميع المواطنين الحق في التنصل من الصبر وتحمل مخازي القادة والفرق التي اعتلت الساحة لتقود الركب، أصبح للجميع عدا المترئسين والمؤتَمِرين الحق في التهرب من تحمل مسؤولية هذه المرحلة وعثراتها بَيدَ أن جميع أبناء الشعب لا زال مستمرٌ في استعداده لتحمل الأكثر من الأتعاب والألآم والمنغصات للوصول إلى الوطن المنشود الذي يحلم به كل مواطنٍ يمني، في ظل أن " لمتواكلين الآكلين" المُوكَلين بقيادة الشعب وأمره يغطون في سباتٍ عميق بعيدًا عن تحمل تبعات أخطائهم وكبائرهم جراء تنازعاتهم الهابطة فيما بينهم على المراكز والنفوذ التي تُدفع الوطن وشعبه وأمنهما الكثير من الفواتير العاجلة والآجلة ظلمًا بذنب غيرهما! لكن هناك سؤالٌ أخير ليسأل كل قارئ منا ضميره به: إذا وُكِلَ أحدُنا - مستقبلاً - بحراسة دار الشعب أو إحدى غرف تلك الدار، هل سيسمح للصوص المتربصين بتلك الدار أن يتسللوا لسرقته؟! ويُسهل عليهم تلك المهمة؟!، هل سيخون - نفسُه - ما أؤتمن عليه نتيجة ضعفٍ يعتريه مع تهافت المغريات أمامه وإلحاح الحاجة عليه؟!، هل سيسمح لنفسه في التفريط بممتلكات تلك الدار وعدم الحفاظ عليها؟! أم أنه سيكون خير حارسٍ لخير دار؟! عن نفسي: أعلم أن النفس أمارةٌ بالسوء، ولكن أتمنى أن أكون وأنتم ممن نزل فيهم قوله تعالى:.{إِلاَّ مَا رَحِمَ رَبِّيَ } .
عبدالرحمن جابر
البُونُ بين فتح العين وضمها! 1210