لو سألنا أنفسنا ماذا نقدم للعمل الثقافي الذي يشكل السلوك في حياتنا بصورة نتاج تلقائي عن الأخلاق والاعتقادات والتعامل مع النفس والآخرين، لو سألنا أنفسنا ذلك لوجدنا إن الاهتمام بالعمل الثقافي هامشي جدا برغم فاعليته وحضوره القوي في حياتنا بصورة حاكمة أحيانا للسلوك، وقائدة له في أحيان كثيرة، بتعبير آخر: إن العمل الثقافي يدرس عرضا أو يتم الاشتغال به على هامش عمل آخر فهو لا يقصد لذاته تعليما وتدريبا وتقويما ومتابعة إلا في أضيق الأوقات والأحيان. إن هذا الأمر انعكس سلبا على مخرجات السلوك الثقافي اليومي في حياتنا، وهذا يعني فشل مؤسسات التربية في البلاد في الأسرة والمدرسة والمسجد والنادي وجماعة الرفاق .. الخ، وكذا فشل وسائط التربية الذي يمثلها الإعلام والمجتمع والوسائط التكنولوجية وغيرها، وهذا يستحق منا أن نقف أمامها بجد المجتمع والدولة والأفراد والأحزاب ومنظمات المجتمع المدني، والمؤسسات الرسمية وغير الرسمية لتفعيل العمل الثقافي وإعطائه اهتماما يليق بمكانته ودوره. إن وراء كل عمل ـ مهما كان ضئيلا ـ ثقافة تحركه وتقوده، هذه الثقافة هي الدستور غير المكتوب ولكنه محفوظ عن ظهر قلب، فالثقافة محرك أساسي ومهم في الحياة ثقافة النظام غير ثقافة الفوضى، وثقافة العمل غير ثقافة الكسل وثقافة الالتزام والانضباط غير ثقافة الفلتان والتفلت، الصواب الذي تراه وراءه ثقافة تقود صاحبه لفعل الصواب، والخطأ مثل ذلك تقف وراءه ثقافة تبرره وتتستر عليه. لقد رأينا فعل الثقافة في صناعة الحياة وتميز الدور الحضاري في ثقافة السلمية التي انتهجتهاثورة الشباب كيف أنتجت ثورة سلمية غيرت وجه التاريخ اليمني المعاصر وستظل علامة مميزة ومهمة في تاريخ اليمن تستلهم الأجيال دروسها، من هنا فإن أصحاب مشاريع العنف ومن يقومون بفرض رؤاهم بقوة السلاح، مخطؤون من حيث المبدأ ومن حيث الوسيلة، مبدأ فرض الفكر بالقوة ووسيلة العنف لفرض قناعاتهم الفكرية، وهم لم يستوعبوا الدرس الذي أحدثته ثورة الشباب الشعبية السلمية، واستطاعت الثورة السلمية أن تعزز الثقافة السلمية بصورة لا تدع عذرا لمن يلجأ إلى العنف، أو يحاول جر اليمن إلى دوامة الدماء.
د. محمد عبدالله الحاوري
الفعل الثقافي هامشية الاهتمام وفاعلية الحضور 1887