غادرت "أحلام" الحياة، وهي شابة في ربيع العمر، لكنها عرت الوضع الصحي بتعز وكشفت عن انفلات أمني يقتلنا لحظات استمتاع المهوسين بالقوارح.. ذات صباح أفسدته الفجيعة والطل لازال صامداً أمام الشروق.. "أحلام" سقطت صريعة حين دوى الرصاص خلال عرس بقرية مجاورة لقريتها بمديرية جبل حبشي والمتهمة طلقة راجعة اخترقت رأسها ليتفرق دمها بين مجتمع غير مسؤول وأطباء تطفلوا على المهنة وتتلمذوا على أيدي الكهنة.. كثيراً ما سمعنا وقرأنا وكثيراً ما تكللت المانشيتات بنهايات مؤلمة.. ففي تعز المحافظة التي فيها يظل الجريح ينزف حتى الموت في دهاليز مستشفيات منتهية الصلاحية، ظلت الضحية أحلام نحو 16 ساعة دون أي تدخل طبي لتنتهي الحادثة بقضاء وقدر وعظم الله أجر أبويها وأقاربها المنكوبين. المجتمع الذي آثر الاستمتاع بضجيج الرصاص على حساب أرواح الأبرياء وقام بدعم العريس بمئات من الطلقات النارية وهو يدرك عواقب استخدام ظاهرة يحظرها القانون، لم يبادر أبداً لدعم والد الضحية حين وجد الأخير نفسه بمأزق مالي طالما استخراج الرصاصة من رأس ابنته بعملية تكلفتها أكثر من 600 ألف ريال في مستشفى خاص بتعز يستغل قصور الخدمات الصحية المقدمة في المستشفيات لجلد المواطنين بمبالغ قاصمة للظهر ويلفظ المصاب ولو كانت الحالة على وشك الموت، ذاك ما دفع والد أحلام لتغيير وجهته والبحث عن مستشفى حكومي يناسب وضعه المادي ومن سوء الحظ أنه يمم وجهه شطر مستشفى يحمل اسم "الثورة" التي قُتلت أحلام اليمنيين بها، بل ان ما تعيشه تعز يكشف عن أحلام كثيرة هرست وأهداف ثورات ثلاث تم شنقها في وضح النهار، فهذا الصرح الطبي بحاجة لمن ينقذه وينتشله من مستنقع التردي؛ إذ ينطبق عليه المثل القائل: " باب النجار مخلوع". في مستشفى الثورة بتعز لا يوجد جهاز فحص محوري، الأمر الذي استدعى تحويل الجريحة إلى مستشفى خاص بالمدينة, فظلت الضحية تنتظر لساعات قدوم الطبيب القائم على الجهاز ثم ساعات أخرى تهدر في ترقب وصول الطبيب الذي سيترجم طلاسم الجهاز الى تقرير ثم ساعات طويلة في انتظار الطبيب الذي سيجري عملية استخراج الرصاصة؛ وقت ثمين يهدر وفرص النجاة تتضاءل، حتى فارقت "أحلام" الحياة والطبيب لم يحضر بعد! فالساعات السليمانية للأطباء بتعز ذات مشوار طويل وبالتالي لا بد من مراعاة وقت "التخزينة" فلا نسعف خلالها ولا نمرض في أوقاتها حسب تعليق أحد المواطنين.. إنها كارثة وضع تعيشه تعز في الجانب الصحي.. أوليس ما نحكي عنه الآن يكشف المستور عن تردي الجانب الطبي حد الفظاعة؟!.. أليست أحلام كغيرها شهداء يعرون الصحة بمحافظة ارتبط اسمها بالمدنية وأُسميت ذات عهد بعاصمة الثقافة ؟! . مؤشر الضحايا تخطى «الجريمة» وعند نقطة «الفاجعة» الذهول يدق أوتار الخطر.. حيث تزايدت في الأوان الأخيرة ضحايا الطلقات الراجعة بتعز بشكل مخيف ومقلق، فأحلام هي الحالة الرابعة التي فارقت الحياة بذات اليوم ولذات السبب وفي ذات المستشفى, فيما إدارة أمن المحافظة استقبلت بشكل يومي- خلال أيام عيد الأضحى المبارك- سيلاً من البلاغات لمثل هذه الحالات. أهالي قرية" العنين" التي شهدت العرس القاتل حاولوا التهرب من المسؤولية وإنكار اطلاق الرصاص بداية الأمر وبعد حضور الأمن قبيل الدفن واتضاح الحقيقة بأن الرصاصة راجعة من ذات القرية، وفد أهاليها بالتعازي وبتدخل وجهاء بالمنطقة أبدوا استعدادهم لدفع غرامة باهتة عساها تُعين الوالد على دفن جثة الضحية وكفى الله المؤمنين شر القتال وليطوى ملف الجريمة, فيما ظاهرة اطلاق النار في الأعراس قائمة وتردي الوضع الصحي قائم؛ وعاشت تعز عاصمة للقوارح ومكباً للأوبئة الفتاكة ومدينة الروائح النتنة، ولافتة مصلوبة دُوِّن عليها ذات يوم: " أنا شوقي.. أنت من تكون..؟!"
عبدالحافظ هزاع الصمدي
أحلام قُتلت..! 1646