التعليم في كل حالاته وقطاعاته في اليمن بحالة متردية جداً، وهذا التردي ليس وليد اليوم ولكنه نتاج عشرات السنين التي استهدف التعليم أثناءها استهدافاً ممنهجا لينحو بنا نحو التجهيل، ولذلك أنا هنا لا أتهم طرفا بعينه الآن، ولا أريد ـ من وراء هذا الحديث ـ الدخول بمماحكات مع هذه الفئة أو تلك ولكني أود أن ألفت نظر المجتمع كله بناقوس الخطر ابتداء من رأس الهرم رئاسة الجمهورية, مروراً برئاسة الوزراء ووزارة التربية وبكل الأحزاب ومنظمات المجتمع المدني حتى أبسط مواطن يمني.. هذا الخطر يهدد كل مناحي حياتنا ومستقبل أبنائنا، لأن فساد التعليم سينعكس على كل شيء في وطننا، وبفساده سيفسد المجتمع كله، لأن الثروة الحقيقية تكمن في بناء الإنسان، وبدون إنشاء تعليماً سليماً لا يمكن أن نؤسس تنمية أو نهضة أو عمراناً حقيقياً لأن غاية التنمية هو الإنسان وفي نفس الوقت الانسان هو وسيلة التنمية ، ان الترقيع في مجال التربية لا يجدي فقد اتسع الخرق على الراقع، وأصبحت هذه المشكلة التي تهدد بكارثة مجتمعية هي المشكلة الأهم على مستوى الوطن وهي ام الأزمات الحاصلة في البلاد، وأن ما نعانيه اليوم من انحدار في القيم وتدني في السلوك العام وضعف في الولاء الوطني يأتي في مقمة اسبابه الفشل التربوي، الذي لم يستطع غرس هذه القيم من خلال مناهجه وبرامجه التربوية أو أنه أريد له ذلك لأسباب نجهلها. إن حال التعليم اليوم لا تتحمل مسئوليته وزارة التربية وقيادتها فقط وأن كانت بالفعل هي المسئول الأول عنه في الوطن، ولكن نظراً لعظم المشكلة وللتركة الثقيلة التي ورثتها فإن المسئولية أكبر منها، ولكي نوقف النزيف والتدهور المستمر في الحالة التعليمية، فإن ذلك يتطلب من الجميع استشعار حجم المشكلة والاعتراف بالمرض الذي يهدد الجسم اليمني كله فبدون الاعتراف بالمرض لا يمكن لنا التداوي منه، ثم إن الأمر يحتاج إلى إرادة سياسية من أعلى الهرم وإرادة مجتمعية، وشراكة حقيقية للعمل على الخروج من هذا النفق الخطير، كما يتطلب استشعار الأحزاب لمسئوليتها ودورها وترفعها عن الانغماس الحزبي في التعليم سواء بالاستقطاب الحزبي للطلاب أو المكايدات أو أي أسلوب يجعل صرح التعليم ميدانا للصراع، بل نعمل جميعا بروح الفريق الواحد لبناء هذا الطالب الذي هو أمل الأمة وببنائه نكون بنينا مستقبل الوطن، كذلك للأكاديميين والمثقفين والإعلام دور ينبغي أن يضطلعوا به.. على كل الجهات التي ذكرتها أن تعمل على دعم وزارة التربية من أجل إعادة صياغة التعليم من جديد وفقا لرؤية واضحة تستفيد من خبرات الآخرين ومواكبة المناهج التربوية للتقدم العلمي، وهذا يتطلب عقد مؤتمر وطني للتربية يعد له إعدادا دقيقا من قبل كفاءات تربوية وقيادات مجربة، مع الاستعانة بخبرات عربية وأجنبية، للنظر في المناهج والتوجيه والمدرس وإعداده، وهذا يتطلب توفير المال اللازم لتنفيذ ذلك. ولأن الإنسان هو الوسيلة في التنمية وهو غاية التنمية فإن أفضل أنواع التنمية والاستثمار هو تنمية الإنسان، ولهذا يجب أن يكون هناك عطاء سخيا غير محدود في مجال التعليم الذي يستهدف بناء الإنسان وان يكون هناك عناية خاصة بالمعلم وتأهيله ومنحه كافة حقوقه التي تضمن له حياة كريمة. كلما ذكرت لن يتحقق إلا بالأمن والاستقرار اولاً وبإرساء دعائم الدولة المدنية الحديثة القائمة على المواطنة المتساوية و التي ننشدها جميعا، ومالم يتحقق ذلك فإن كل ما نقوله سيبقى عبارة عن أحلام وطموح غير قابل للتنفيذ. فلنعمل معا من أجل تأسيس الدولة التي ستتحمل عبء بناء الإنسان السوي وسيكون أساس انطلاقها نحو التقدم للحاق بركب عالم القرن الواحد والعشرين هو التعليم الذي بدونه لا مكان لنا بين الأمم.
*عضو مجلس النواب
محمد الحميري
التعليم أساس بناء الدول 1473