برغم كل الأحداث التي يعيشها الفرد في منغصات الحياة الدنيا يظل العيد فسحة من الزمن تستروح لها النفس وتستريح بها الحياة، كالواحة الخضراء وسط صحراء قاحلة، وكهبة النسيم العليل في يوم صيف قائظ، ويمثل العيد شعيرة من شعائر الإسلام ترتبط ارتباطا عضويا بالعبادة في ركنين من أركان الإسلام هما الصوم والحج.
وجوب التضحية بالفساد لسلامة البلاد والعباد:
يأتي عيد الأضحى هذا العام ونحن بحاجة أن نضحي بالفساد الذي أدمن التضحية بالوطن، لأن شعبنا لن يستريح ما دام الفساد يعبث في الأرواح والأموال ويقلق السكينة العامة، فالتضحية به واجب ديني ووطني، وستظل الآمال مجرد آمال تخطر على البال وتكتب على صفحات العقول حتى تتم التضحية بالفساد، ويكون ذلك بتطبيق القانون، فلا يوجد شيء اسمه الضرب بيد من حديد، لأننا نرفض الظلم أيا كان نوعه وأيا كان مصدره، فلم تقم ثورتنا الشبابية الشعبية لتأتي بعائلة مكان عائلة أو بظلم مكان ظلم، بل قامت لتنصب راية العدل إن شاء الله، وترسي معالم العدالة الاجتماعية والشراكة المجتمعية في الثروة والسلطة بإذن الله، وهذا كله مرهون بالتضحية بالفساد قبل أن يضحي الفساد بالوطن بأكمله أرضا وإنسانا.
رجم الشيطان الذي يحرش بيننا:
يأتي عيد الأضحى ونحن نرى الحجيج يرجمون الشيطان فنتذكر واجبنا نحو شياطين الإنس الذين يفسدون في الأرض ولا يصلحون، إن رجم الشيطان المتكرر في الحج في أيام متعاقبة وفي أمكان متتالية يوحي بأهمية العمل المنظم والممنهج ضد شياطين الإنس كما هو ضد شيطان الجان، لقد عبث شياطين الإنس في بلادنا بكل معنى جميل في حياتنا القيم الأصيلة ودمروها، الوحدة وشوهوها، القبيلة اليمنية وتهجموا عليها، الدولة المدنية الحديثة القائمة على شريعة الله خربوا مؤسساتها كلها، المساواة والعدالة وبقية القيم التي جاء بها الدين وقامت لأجلها ثورة سبتمبر وأكتوبر صارت أثرا بعد عين، فجاءت ثورة الشباب فرجمتهم عن آخرهم، وأعلنت أن اليمن الجديد يمن يرفض تحريش الشياطين وينبذ أفعالهم.
هتاف بناء اليمن الجديد:
يأتي عيد الأضحى وبلادنا تحتاج إلى رفع الأذان ببناء اليمن الجديد فتتحرك جموع اليمنيين ملبية نداء الواجب الديني والوطني، وهي تسمع الهتاف بالنداء في الساحات والميادين: الشعب يريد بناء يمن جديد، فهذا أوان العمل ووقت الجد والاجتهاد، فنداء الواجب الديني والوطني يهتف بالقلوب وينادي بالرجال والنساء بالشباب والشيوخ بالكبار والصغار، هلموا إلى بناء اليمن يدا بيد، وكأني بجموع شعبنا العظيم وقد لبت النداء وأسرعت صوب البناء، كل من موقعه وبحسب قدرته، تسابق الزمن وتستبق العمل وتحقق الآمال بالأعمال، فاليمن أمانة في أعناق الجميع.
صلة الأرحام:
يأتي العيد كل عام ويجيش الخواطر بانفعالات كثيرة، وتكثر فيه الأعراس ـ بالمناسبة أعراس ذي الحجة تعني مواليد رمضان كما هو معروف ـ وتتلاقى الفرحة بين العائلات وأفرادها وتلتئم الأسر مع كامل أعضائها في الأغلب الأعم، فتوصل الأرحام ويتعاهد الناس قريباتهم ومن لهم حقوق عليهم، وهو ما يجب أن يكون عملا دائما وليس مناسباتياً فقط، فالعيد مناسبة مهمة للتذكير بذلك والتأكيد عليه.
يأتي العديد جديدا كل ما جاء، فسبحان الله الذي جعل فرحة العيد بمذاق مميز ولها نكهتها الخاصة، ولا يرجع ذلك إلا إلى ارتباط العيد بالعبودية رب العباد، حيث تتجمع في عيد الأضحى أكثر أعمال الحج، ويأتي عيد الفطر بعد ركن الصيام، وهو ما يشير إلى أن السعادة في الحياة ما تكون إلا في طاعة الله عز وجل وبطاعة الله عز وجل.
فرحنا بالعيد وننتظر فرحة نجاح الحوار لبناء يمن جديد
تنتظر بلادنا عودة مؤتمر الحوار لاستكمال إقرار مخرجاته، لتكتمل فرحة الحكمة اليمانية، وهو ما نأمل أن يراعيه المتحاورون أن يطهروا أنفسهم من أدران أنفسهم كما فعل الحجيج في حجهم البيت العتيق، ليبدأوا صفحة جديدة ليمن جديد، وأن يستعلوا فوق أنانيتهم كما استعلت جموع الحجيج فوق رغباتها لإنجاز مناسك الحج.
إن فرحتنا بالعيد هذا العام كانت مشوبة بمخاوف على الحوار، ففي مجالس الناس وملتقياتهم حديث لا يزال يدور عن الحوار ومن فيه، وهل سيتقون الله في هذا الشعل الطيب، وهي أحاديث كانت وما زالت مقترنة بآمال عريضة مبنية على نتائج هذا الحوار الذي هو محط اهتمام اليمنيين ومحل عنايتهم، جاء العيد واليمن تعيش أرقى صورة حضارية لها، المشاكل كله قابلة للحل إذا تحرر الناس من أنانيتهم السلالية والمذهبية والحزبية والمناطقية، مهما كانت المشكلات عويصة ومعقدة فإن تجاوزها ممكن إذا نظر الناس إلى واجبهم نحو أمتهم التي سيسألهم الله تعالى عنها وعن النصيحة لها وعن الرفق بها وعدم المشقة عليها، وقد تبد الصعاب أكبر من طاقة الفرد لكنها ليست أصعب من جهد المجموع والحوار يمثل فرحة عيدية جديدة، نريد أن يكون العيد عيدين فافعلوها أيها المتحاورون فأنتم الداء وأنتم الدواء فكونوا لجراحنا بلسما، واحذروا أن تكونوا لشريعتنا ووحدتنا داء وسما.
د. محمد عبدالله الحاوري
خواطر عيدية 1932