وهنا علينا أن ندرك بأن الديمقراطية المعاصرة لم تعد تقتصر على شكلها الانتخابي الكمي والموسمي كما هو عند المتخلفين فكرياً وسياسياً ، وإنما هي ممارسة يومية، عبر انخراط كل الفاعلين الاجتماعيين في المداولات والمشاركة في صناعة القرارات داخل الأحزاب ومنظمات المجتمع المدني وغيرها، والاستفادة من كل وسائل الإعلام والاتصال؛ الصحافة والشاشة والهاتف الجوال والكتاب الرقمي بمختلف وجوهه وصفحاته... وهكذا فالديمقراطية الحية، الميدانية الفعالة هي بمثابة عين نقدية من المجتمع على نفسه، تمارس أعمال الرقابة والتقويم وإعادة البناء بصورة دائمة، في كل الحقول والقطاعات وعلى جميع المستويات ومن غير ممارسة ذلك تسود مظاهر وآليات المصادرة والاحتكار والانتهاك والتسبيح والشعوذة والتقديس. ولا بد لنا اليوم من أداء مواكب للثورة ومتخلص من الماضي.
إنه لا يجدي أن تدار الأمور بعد الثورة كما كانت تدار قبلها، بفكر أحادي، استبدادي، شمولي، فالثورة بمعناها السلمي، والمدني، هي تحرر من ديكتاتورية الشعارات والمقولات، كما هي تحرر من عبادة الأشخاص والأبطال.
هذا هو الدرس المستفاد من الثورات الجديدة التي تحاول إزالة آثار ما خلفته الثورات السابقة من المساوئ والمفاسد والكوارث, فتقديس الثورة هو مقتلها، وعبادة الزعماء تفسدهم بقدر ما تحولهم- بدورهم- إلى عبيد لسلطاتهم ونزواتهم وألقابهم ومناصبهم... المستقبل هو امتداد لتفكيرنا وعمل حاضرنا..
إن الإنسان يقيم في حاضره ويعيش واقعه، بقدر ما يتوجه نحو مستقبله, أما الماضي؛ فإما أن يكون مجرد متحف أو كهف أو ذاكرة موتورة أو هوية مغلقة أو ثوابت معيقة ، وإما أن يشكل خبرات ومكتسبات وأرصدة نبني بها، بالعمل على تحويلها واستثمارها ، في صناعة حياتنا وبناء عالمنا.
والله الموفق.
محمد سيف عبدالله
لابد من النقد البناء على الدوام 1259