لعل أبشع ما سمعته من معمم هو ما ظهر في الفيديو المسرب الذي يحرض فيه المفتي السابق علي جمعة الجيش المصري على قتل المصريين بقوله لقائد الانقلاب العسكري الدموي الفاشي:
اضرب في المليان، طهر مصر من الأوباش، ثم يقول: طوبى لمن قتلهم وقتلوه ثم يتقوّل على رسول الله- صلى الله عليه وسلم- زاعمًا: لقد تواترت الرؤى على تأييدكم من قبل رسول الله- صلى الله عليه وسلم.
هل يمكن أن يدعو رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إلى القتل؟ هل يمكن أن يكون نصيرًا لمن يحاربون دينه وأتباعه؟ أليس هو الذي غضب عند ما علم أن صحابيًّا يقود سرية من السرايا قتل من نطق الشهادة عند مواجهته بالسيف؟
روى البخاري ومسلم عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ رضي الله عنه قَالَ: "بَعَثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى الْحُرَقَةِ، فَصَبَّحْنَا الْقَوْمَ، فَهَزَمْنَاهُمْ، وَلَحِقْتُ أَنَا وَرَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ رَجُلًا مِنْهُمْ (جاء في بعض الرّوايات أنّه مرداس بن نهيك، كما قال الحافظ ابن حجر رحمه الله)، فَلَمَّا غَشِينَاهُ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ! فَكَفَّ الْأَنْصَارِيُّ، فَطَعَنْتُهُ بِرُمْحِي حَتَّى قَتَلْتُهُ فَوَقَعَ فِي نَفْسِي مِنْ ذَلِكَ، فَلَمَّا قَدِمْنَا بَلَغَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم (وفي رواية مسلم: فَذَكَرْتُهُ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم) فَقَالَ: (يَا أُسَامَةُ! أَقَتَلْتَهُ بَعْدَ مَا قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ؟!) قُلْتُ: كَانَ مُتَعَوِّذًا (إِنَّمَا قَالَهَا خَوْفًا مِنَ السِّلاَحِ) (أَقَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَقَتَلْتَهُ؟! أَفَلَا شَقَقْتَ عَنْ قَلْبِهِ حَتَّى تَعْلَمَ أَقَالَهَا أَمْ لَا؟!) فَمَا زَالَ يُكَرِّرُهَا عَلَيَّ حَتَّى تَمَنَّيْتُ أَنِّي لَمْ أَكُنْ أَسْلَمْتُ قَبْلَ ذَلِكَ الْيَوْمِ"..
والحديث واضح يؤكد ما قاله النبي- صلى الله عليه وسلم- من قبل؛ أن من قال لا إله إلا الله محمد رسول الله فقد عصم دمه، ولست في حاجة إلى تكرار الآية الكريمة التي تؤكد أنه من قتل نفسًا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعًا، وأن الله أوجب على المسلمين العمل بالظّاهر والتثبّت من الحقيقة، كما قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ كَذَلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا) (النساء: ٩٤)، والمعنى واضح لا يحتاج إلى مزيد شرح أو تفسير، فالدم لا يجوز إهداره إلا بسبب مجمع عليه. أما أن يأمر معممٌ قوات الجيش أن تضرب المتظاهرين المسالمين في المليان، ويصفهم بالأوباش، ويزعم أن الرسول- صلى الله عليه وسلم- يؤيد القتل والقتلة، فهذا لعمري جرم عظيم سيقابل به أمام الحق سبحانه وتعالى، وسوف يسأله عن كل نفس أزهقت بغير حق. لماذا يفتي المعمم بقتل من يسميهم الأوباش؟ ألأنهم يطالبون بدولة الإسلام التي تعني الحرية والعدل والكرامة؟ ألأنهم يرفضون العلمانية واستئصال الإسلام ومحاربة المسلمين؟ ألأنهم يرفضون الديكتاتورية واللصوصية والفساد؟ ألأنهم يريدون التعبير عن عقيدتهم وشريعتهم وإيمانهم مثل بقية خلق الله؟ ألا يتساوى من يقول ربي الله مع من يقول ماركس إلهي، والغرب قبلتي وأمريكا مثلي الأعلى؟ هل الانقلابيون يقيمون دولة الإسلام وقد أعلنوا جهارًا نهارًا أن مصر دولة علمانية يجب أن يراق من أجل علمانيتها الدم؟ ماذا لو كان ابن علي جمعة بين الضحايا والقتلى؟ ماذا كانت ستكون فتواه؟
لن أتطرق إلى الألفاظ الهابطة التي رددها المفتى السابق عن الأغلبية الإسلامية والرئيس المنتخب الذي اختطفه الانقلابيون الدمويون، ولا مسجد الفتح الذي وصفه بأوصاف بذيئة، ثم يزعم أن الدين مع القتلة وأن الله معهم وأن الرسول معهم لأنهم يقاتلون خوارج لا دين لهم ويجب ضربهم في المليان (يقصد القتل المباشر) ثم يدعي أن القتل هو حلاوة الإسلام!
ما الفارق إذا بين ما يقوله على جمعة وما تقوله صفحة الشرطة المصرية على موقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك" في رسالة للإسلاميين لم تخل من "الشماتة والسخرية" منهم بعد عزل الرئيس الإسلامي محمد مرسي في الثالث من يوليو الماضي حيث تخاطب الذين خرجوا للتظاهر استجابة لدعوة "التحالف الوطني لدعم الشرعية لـ"إسقاط الانقلاب العسكري" في الذكرى الأربعين لانتصارات حرب أكتوبر 1973: "عزلنا رئيسكم، قفلنا قنواتكم، حبسنا قاداتكم، فضينا اعتصامكم، حظرنا جماعتكم، ماعرفتوش تقتلوا وزير داخليتنا، ماعرفتوش تشوهوا صورة السيسي". وتواصل صفحة الشرطة سخريتها قائلة: "ماعرفتوش تحرقوا الأقسام والسجون زي زمان، مش عارفين تمشوا في الشوارع من الجيش والشرطة والشعب، مش عارفين تنشروا الفوضى في ربوع الوطن أصل الوطن دلوقتي بقى ليه جيش بجد وشرطة بجد وشعب بيحب بلده بجد، وأنا دلوقتي بجد بقولكم: موتوا بغيظك".
إن علي جمعة يتحمل مسئولية خطيرة في قتل أكثر من خمسة آلاف مسلم بغير جريرة، وإذا كان من سربوا هذا الفيديو يمهدون لتصفيته وإلصاق الجريمة بالإسلاميين، ويرتبون على ذلك قتل من يريدون والقبض على من يريدون كما فعل النظام السوري مع الشيخ البوطي، عليه من الله ما يستحق، فإن أبناءنا لن ينجرفوا إلى ما يريدون، ولن يستجيب أولياء الدم لأي استفزاز يهدف إلى إعطاء المجرمين القتلة ذريعة لاستخدام أسلحتهم ودمويتهم. لقد ألصق النظام السوري تهمة قتل البوطي بالمعارضين الإسلاميين، مع أن أسلوب التصفية يشير بكل قوة إلى النظام وأتباعه.
ثم ما الفارق بين ما يقوله علي جمعه وما يقوله ابن جمال عبد الناصر حين يصف من يطالبون بالشرعية أو الإخوان المسلمين بالخونة والحشرات الذين يدوسهم جيشنا العظيم الذي لا يقهر؟ هل نلتمس لابن عبد الناصر العذر أمام من تقوّل على رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بأنه ينتصر لقتلة المسلمين؟
ماذا نقول لكتائب الردح والشرشحة التي تخدم البيادة الغشوم وتتطاول على الإسلام والمسلمين فتصف الإسلام بالإرهاب والوحشية والظلام، وتصف المسلمين بالقتلة وأعداء الحياة وتشبههم بالتتار والغزاة، والمفتي السابق يزايد على هذه الكتائب اللاعقة للبيادة وكل بيادة على مدى عقود طويلة، دون أن يخشى ربه، أو يتذكر أن كلمة منه محسوبة عليه وسيحاسب عليها عاجلاً أم آجلاً؟
لا أطلب من الأزهر المعمور أن يحاسب على جمعه على ما قاله ونطق به وهو دعوة صريحة إلى القتل وسفك الدماء، ولكني أطلب من العلماء المخلصين أن يواجهوه بالحقائق ويردوا عليه، ويخبروا الأمة بحقيقة فتواه الفاسدة، ويحكموا على سلوكه الغريب وألفاظه الهابطة التي لا تتفق مع رجل وصل إلى واحد من أرفع المناصب الإسلامية وهو مفتي ديار الإسلام.
ولا أدري ما هو موقف الذين يتهمون الإسلاميين بالتجارة بالدين بينما المفتي السابق يحلل للقتلة الانقلابيين سفك دماء المسلمين الذين يرفضون الانقلاب الدموي العلماني ويعملون على إسقاطه؟..
د. حلمي محمد القاعود
الضرب في المليان 1415