لو أردت أن تناقش أمراً ما بصوت عالٍ، وتحرق سعرات حرارية مضاعفة ، ويرتفع ضغطك ، ويسوء مزاجك أكثر ، وأنت لديك أصلا مخزون كافي من ذلك ، بل وفائض من المنغّصات ، فاحجز لنفسك حيز هناك ... على طاولة تفريخ الخصوم ومصنع العداء للأخر ، وحيث المعارك التي غالبا لا تنتهي .
في الواقع نحن اليمنيون نهوى تلك الدوائر ونكاد نتسيد بها وفيها نهيم وجدا وصبابة ، بارعين في صناعة الخصم والقدرة على (المناجمة) والمكايدة والنقاش البيزنطي ، يستهوينا الاختلاف لأجل الاختلاف والتمترس في جهة ضد جهات ، نجد ضالتنا عندما ننظر للآخر من وراء متراس ويفعل الآخر الشيء نفسه ، ولدينا طريقة مبتكرة في تصنيف الخصم والموالي وفق متلازمة ( صديق عدوي عدوي ) (وعدو عدوي صديقي ) نستخدم منهج غريب في تحليل الأمور وإصدار الحكم عليها وجلدها .
نستطيع أن نتنقل بين الساحات التي يعلو فيها الضجيج ويتقاتل فيها المتخاصمين ، ليس لنصرة الحق ونجدة المظلوم ، ولكن لممارسة هواية الخصام وتفريغ شحنات العداوة تجاه الآخر بقراءة ساذجة وعاطفة جياشة ، لا تقوم غالبا على منهج ولا تستقيم لمنطق ولا تتجه لحجة . فقط سيوفنا المتهرئة أصلا تفعل ذلك ، تناطح السحاب وتستهلك الوقت .
نعم عندنا عاطفة جياشة تحل غالبا محل العقل ، وشعب يشتري مزاجه يوميا لساعات متكئا هائما في الساعات السليمانية ، يبنى القصور ويحل مشكلات الكون ، ويصحو بعد ذلك على روائح المجاري وانقطاع المياه والكهرباء وواقع يسحقه وهو يبتسم ، وفوق ذلك يصارع الآخر دفاعا عن لاشى صراع يستأثر بوقته وجهده وأعصابه ، لا يهم إذ لديه أسوى شوارع وأسوى خدمات واوهن شبكات صرف وكهرباء ومياه ، وعدد هائل من البطالة ومشاكل من كل اتجاه وأقبح فساد على وجه المعمورة ، ومجتمع لا يسير وفق أنظمة ولا قوانين ولكن يسير وفق قاعدة (على البركة ) مجتمع مشاريعه سفري وتفكيره سفري ويجادل من اجل المجادلة .يختلف على قضايا تبعد آلاف الأميال وتحت أقدامه أرصفة مكسرة ، وأمامه بشرا أنهكهم الواقع وأعيتهم الحيلة يرحلون أكوام مشاكلهم ويتجرعون سياسة بها يصحون وبها ينامون ، وفي ثنايا ذلك يتوه الحلم .
فؤاد عبد القوي مرشد
من خلف متراس! 1463