رئيس مركز الوحدة للدراسات الاستراتيجية
لا يختلف اثنان في أن المبادرة الخليجية كانت – ولا تزال – هي المخرج من الأزمة التي دخلها اليمنيون بتفاعلات ثورات التغيير العربية التي اجتاحت تونس ومصر وليبيا، ثم اليمن التي كان حالها لا يختلف كثيرا عن حال أخواتها في الوطن العربي من فوضى وفساد ومظاهر توريث وعبث.. لكن ما الذي جرى، وما الذي يجري اليوم؟!!
هذه المبادرة ـ التي جاءت لتحقيق تسوية سياسية، ووقع عليها ممثلو أكثر من (27) حزبا وتنظيما سياسيا يمنيا ـ تتعرض اليوم لمحاولة الإطاحة بها والانقلاب عليها عبر حوار الخمسة نجوم في " الموفبيك"، الذي أصبح اليوم محصوراً بين ممثلي ثلاثة أحزاب وبن عمر والرئيس، ويغيب فيه 560 عضواً لا يعرفون حقيقة ما يجري من طبخات سرية تستهدف الالتفاف على مسار التسوية، وحلم الانتقال إلى الشرعية الدستورية، من خلال الانتقال من المرحلة الانتقالية الحالية التي يفترض أن تنتهي في فبراير 2014 م إلى مرحلة "انتقامية" جديدة تتراوح مدتها بين (3 - 5) سنوات.
حوار خارج الشرعية:
فمؤتمر حوار"الموفمبيك" الذي يرتب لمثل هذه الطبخة "الانقلابية" أصبح انعقاده فاقداً للشرعية لأربعة أسباب نوجزها في التالي:
1- لأن فترة انعقاد المؤتمر حُددت بستة أشهر، وانتهت في 18 سبتمبر الماضي 2013م، دون نتائج.
2- ولأن تمديده تم خلسة دون قرار رئاسي أو إعلان رسمي، وأيضا بدون موافقة وعلم أعضاء الحوار.
3- لأن المؤتمر بدأ يناقش قضايا من شأنها أن تفضي إلى عدم الحفاظ على وحدة اليمن وأمنه واستقراره، بمخالفة للمبادرة، ولقراري مجلس الأمن (2014 -2051 ).
4- لأن مؤتمر الحوار تشكل وفقا للبندين (18 و 19) من الآلية التنفيذية للمبادرة الخليجية، لبحث قضايا واضحة ومحددة في (8) قضايا بالتمام والكمال تمثلت بالتالي :
- صياغة الدستور، وإصلاح النظام السياسي.
- معالجة القضية الجنوبية بما يحافظ على وحدة اليمن وأمنه، والنظر في قضية صعدة.
- المضي نحو بناء نظام ديمقراطي، وتحقيق المصالحة الوطنية.
- حماية حقوق الإنسان والأطفال والمهمشين والمرأة.
- التعمير والتنمية الاقتصادية والاجتماعية.
ومع أن المؤتمر تشكل وانعقدت جلساته لبحث ومناقشة هذه القضايا إلا أن مهندسيه بدأوا - للأسف – يسعون لإقحام الحوار في قضايا ومهام ليست من مهام المؤتمر، ولم تحددها لا المبادرة الخليجية ولا آليتها التنفيذية المزمنة، ولم يتم التوافق عليها، وهي مهام قد تعيد البلاد إلى المربع الأول، وتستهدف فيما تستهدفه توريط الرئيس هادي وإفشال مهمته في استكمال الفترة الانتقالية.
الطبخة.. وتقرير بن عمر:
وطبخة الانقلاب على المبادرة الخليجية، التي يديرها طباخون غير مهرة برئاسة المندوب "السامي - بن عمر" أوشكت - برأيهم - على النضوج، حيث كانت قد بدأت رائحتها غير الوطنية تفوح منذ أن علق ممثلو حراك "محمد علي أحمد" مشاركتهم - المؤقتة – في الحوار، في منتصف أغسطس الماضي بسيناريو "قلاّيتي وإلا الديك"، ليأتي تقرير "بن عمر" المقدم لمجلس الأمن بتاريخ 27 سبتمبر الماضي ويكشف بين السطور عن فحوى الطبخة، التي سربتها جهات رسمية معنية، تنطوي على الإعلان عن "تسوية سياسية جديدة برعاية دولية" تتضمن:
- إعلان دستوري بمرحلة تأسيسية من 3- 5 سنوات.
- حل مجلسي النواب والشورى، وتشكيل مجلس وطني تأسيسي بديل من أعضاء مؤتمر الحوار.
- نظام فيدرالي من 3 – 5 أقاليم.
ـ التمديد للرئيس هادي للقترة ذاتها.
وهذه "الطبخة" النتيجة، قدم لأجلها " بن عمر" في تقريره جملة من المعلومات المغلوطة، التي لم تتسم لا بالأمانة ولا بالمصداقية ولا بالنزاهة، وإنما ساقت معلومات مضللة وغير حيادية حول مجريات الأوضاع في البلاد، وقدم صورة وردية لأداء حكومة العم باسندوه، وللحوار الذي يديره ويشرف عليه، وأن كل شيء "سمن على عسل"، علاوة على إيحائه برغبة اليمنيين وحاجتهم إلى تمديد الحوار لأشهر أخرى، وتوافقهم على شكل الدولة ونظامها، وهو ما لم يتم حتى الآن - على الأقل - وإلى حاجتهم إلى "مرحلة تأسيسية تركز على تشاركية أكبر وتوزيع أفضل للسلطة "، وهو ما لم يتم نقاشه أو التوافق عليه لا داخل مؤتمر الحوار ولا خارجه.. ما يعني أن الرجل ـ الذي استمزج طباع القبائل اليمنية، واستهواه "تخزين القات"ـ ساق تلك المعلومات بناء على حاجته للاستمرار في مهمته، وحاجة الأطراف التي يعمل لصالحها، دون مراعاة لمهمته الأممية ولا لأسس وجوهر المبادرة التي يشرف على تنفيذها كممثل للأمين العام للأمم المتحدة.
ليس حبا في الرئيس:
وإذن، فطبخة الانقلاب على "المبادرة الخليجية – وتسويتها السياسية" تتم هذه الأيام على نار ساخنة، خاصة بعد أن مُنحَ بن عمر الإشارة الخضراء للانطلاق على إثر تقريره المُضَلِلْ، الذي أجاد تسويقه وتمريره في اجتماع مجلس الأمن، الذي حضره الزياني وكان لحضوره معنىً مهماً في إظهار وحدة الرأي عند رعاة المبادرة، رغم تنافر المواقف وتناقض الآراء عند أطراف التسوية..
ومع كل هذا، ستكون "التسوية الجديدة" التي يطبخها ويرتب لها "لصوص الثورة" خرقاء، عرجاء، لا تستند لشرعية شعبية ولا قانونية، ولن تكون أكثر من انقلاب فاشل سيسيئ ـ بالدرجة الأولى وبشكل كبير لصورة ـ الرئيس هادي، الذي جاء إلى الحكم "منقذاً للوضع" ومحمولا على الأكتاف، ويريدون له أن يخرج منه بلا شعبية وبلا رصيد.
أقول ذلك، لأن الانقلاب على المبادرة الخليجية، التي سترتكب جملة من الخروقات الدستورية والأخلاقية والتعاهدية ستلغي مؤسسات شرعية، وتأتي ببدائل غير قانونية، ولن تمدد للرئيس هادي حباً في منهجه ورغبة في أسلوبه وأدائه، وإنما لأهداف مرسومة سلفا.. فهؤلاء يا فخامة الرئيس ينظرون إليك كما ينظرون تماما إلى سلفك الرئيس السابق، فأنت في نظرهم ليس أكثر من بقايا فلول، وليس مستبعدا أن يحشدوا رعاعهم يوما للمطالبة بتطبيق قانون العزل السياسي عليك، يا فخامة الرئيس.. فأنت ستظل في نظرهم ليس أكثر من بقايا نظام سابق.
*رئيس مركز الوحدة للدراسات الاستراتيجية
د.عبدالوهاب الروحاني
الانقلاب على المبادرة..!! 1271