في الوقت الذي كان الكثير فيه ينتظرون من الداعية عمرو خالد تحديد موقفه مما حصل في مصر مؤخراً من الانقلاب الذي قام به السيسي على الدكتور محمد مرسي ، وفي الوقت الذي كان هناك سؤال ملح يطرح نفسه بقوة ما هو رأي هذا الداعية في هذه الفتنة والمظالم التي هزت مصر وبقي رأيه غامضاً رغم تغريداته القليلة. لم يدم تواري الرجل عن المشهد طويلا ليظهر في مداخلة مع قناة العربية السعودية، والذي تمت إعادتها عدة مرات،
وكان يتمنى من ذلك أو من ظهوره إزالة الغموض، فزاده عتمة وظُلمة، فكان لسانه لا يختلف عن السيسي، إلا في تفاصيل دقيقة فقط، فقال إنه غير مؤهل ليعطي موقفا سياسيا ولا رأيا دقيقا، ولكن همه الأول هو تصالح الجميع من أجل التعايش السلمي. وكما قال إن للمسجد حرمة، كان واضحا أنه يشير إلى الإخوان، وهو يقول إن للكنائس أيضا حرمة.
ويومها تفاجأ الجميع بالرجل يعلن انسحابه من الحياة السياسية ومن رئاسة الحزب الذي يرأسه مرجعا قراره الاعتزال ذلك إلى أن المرحلة تستدعي منه اتخاذ مثل هذا القرار المصيري .
والغريب أن الرجل اتخذ قراره السابق في لحظة تاريخيه ومفصلية لم يحسب لها الرجل حسابها كما رأى كثيرون حينها ، لكنه كان وراء الأكمة ما ورائها ، وأن انسحابه من الحياة السياسة لم يكن سوى ذرا للرماد ، لأن الرجل أولا ومنذ أن تسلم الإخوان المسلمون الحكم، وبعد الانقلاب على حكمهم، لم ينبس ببنت شفه نصرة لهؤلاء الذين ظلموا وقهروا ، بل لم يتحدث بكلة واحدة تدين القتل الذي مورس ضد الإخوان وأنصارهم ، وما سمعنا منه هو إدانة الإخوان الذين يرى فيهم مشاريع تخريبية للوطن تمثلت في الاحتماء بالمساجد وحرق الكنائس ، ما هذا المنطق الغريب والعقيم ، لا يريد منهم الاحتماء بالمساجد ، ويتهمهم بحرق الكنائس .
ودعونا قليلا نتحدث عن قرار الرجل اعتزال السياسة ، فلقد عد الكثيرون موقف الرجل في حينه بأنه هروب من تحمل مسؤولية موقف كان سيتخذه في ذلك الوقت ،وتملص لكثير من مواقفه السابقة التي كان يتحدث فيها بأن كل ما يؤمن به و يعتقده هو أن دوره وواجبه المساهمة في أن تنطلق مصر بأبنائها إلى الأمام لبناء مصر، ومن أجل العمل الجاد وطي صفحة الماضي، وأن يكون حب الوطن هو الدافع الأساسي لكل مصري.
لكن الذي حصل – واستشفه المصريون من موقفه السلبي - أن الرجل قطعا كان قلبه وعقله وفكره ووجدانه وروحه مع الانقلاب وإن بصورة مغلفة غير مباشرة نكاية بالإخوان المسلمين الذين اتضح أن الرجل لا يمت إليهم بصلة انتساب أو علاقة تواصل أو علاقة إخوة ومودة أو حتى علاقة تواصل مع بعض شيوخها وعلمائها محدودة الأثر .
وتوالت عليه يومها كثير من الانتقادات لموقفه ذلك ، ولكن لم يلبث الناس أن تفاجأوا بالرجل – وفي وضح النهار وعلى عينك يا تاجر - يظهر في تسجيل مصور من داخل وزارة الداخلية يدعم فيه الجيش في حربه على ما يسمى بالإرهاب وبنفس أسلوبه المعهود المتفاعل
ومن يومها والناس تتحدث بأن الرجل ورط في الموضوع ، وأن هناك ما انطلى عليه خاصة وأن تصريحه تلك قام بها مع مشرعي قتل الإخوان من قبل الجيش وهما الشيخ علي جمعة والشيخ سالم عبدالجليل، وأكد الثلاثة في تسجيلهم بجواز قتل من يعتدي على الجيش أو الشرطة أو يخرب مؤسسة، وهم الإخوان المسلمين كما فهمه الكثير في الشارع المصري ، كما كانت تسجيلاتهم بدافع الوقوف مع قوات الجيش والشرطة ضد الإرهاب.
لقد أساء لعمر خالد كثيرا ظهوره في هذا المقطع مع علي جمعة وسالم عبدالجليل اللذان عرف عنهما عداءهما الشديد للإخوان ، وحربهما الشعواء على مشروعهما الذي أفضى إلى فوز محمد مرسي في الرئاسة ، وما هو متعارف عليه اليوم في الشارع المصري أن الشيخ سالم عبد الجليل، وكيل وزارة الأوقاف السابق والمفتي السابق علي جمعة من أشد المتحمسين لتلك الفتاوى التي تبيح قتل المعتصمين في رابعة العدوية وميدان نهضة مصر، وجاء ذلك صراحة في تصريحات سبقت الفيديو المنسوب للثلاثة ، والذي تم تداوله على مواقع التواصل الاجتماعي، وهو ما يدينهم ويرد عليهم قولهم بأنه قد تم تحريف كلامهم وأخرج عن سياقه ، وبأنهم لا يقبلون إراقة الدماء وإزهاق الأرواح، لندرك بعد ذلك كم كان الثلاثة متعطشين لدماء الإخوان
وقد انتقد المفكر الإسلامي والفقيه القانوني الدكتور سليم العوا، وقال إن الاحاديث الثلاثة التي تم بثها للشيخ علي جمعه والداعية عمرو خالد والشيخ سالم عبدالجليل وكيل وزاره الأوقاف السابق بخصوص "قتل الإخوان"، فتاوى "غير صحيحة، وفيها تحريف للكلم عن مواضعه".
وأوضح العوا، في مداخله هاتفية مع قناه الجزيرة أمس، إن التسجيلات التي بثتها إدارة الشؤون المعنوية بالقوات المسلحة، قد تم تركيبها من قبل الجهة التي قامت بتسجيل اللقاءات لهم، لينشر هذا الفيديو بين رجال الجيش والشرطة "ليصور لهم قتل - ما وصفهم - بالمسالمين الأبرياء، الذين كانوا يعتصمون في رابعة والنهضة وغيرها".
واعتبر تفسير الشيخ علي جمعة مفتي الجمهورية السابق لأحداث 30 يونيو، على أنها إجماع للشعب والجيش، وانهم اجتمعوا على قلب رجل واحد، وقال "لقد نسي جمعه إن بعدها كان الجيش والرئاسة والشعب كله مع محمد مرسي، فلماذا يجيز قتل المتظاهرين ضد الانقلاب ولا يجيز معاقبة الخارجين على الشرعية الدستورية التي كان الشعب والجيش والرئاسة في سياق واحد معها".
واستنكر العوا وصف الشيخ سالم عبدالجليل لمعتصمي رابعه العدوية والنهضة بانهم "خوارج وبغاة ويستحقون القتل، وعلى الجنود قتلهم"، قائلًا "الاحاديث التي استند إليها غير صحيحة، مضيفًا أن ما قاله عمرو خالد "تحريف هائل للقرآن".
ويرى كثير من المرافقين والمحللين أن ما يدين عمر خالد في هذا السياق أيضا ظهوره في قناة العربية التي أخذت موقعا أكثر "سيسيا" من السيسي نفسه، خاصة بعد خطاب العاهل السعودي، الذي وصف حرب الإخوان بالمصيرية هو تأكيد على أن عمرو خالد ليس ضد السيسي في الانقلاب، وفي الطريقة التي فض بها اعتصام رابعة العدوية، وما صحبه من مجازر، فتحدث عن الدماء التي تراق دون أن يذكر المتهم الرئيسي، وتحدث عن الفتنة التي مزقت البلاد دون أن يتحدث عن الزلزال الذي هز الشرعية. فجاء تدخله أبشع من صمته المطبق، الذي التزمه منذ أن تعرض الدكتور محمد مرسي وجماعة الإخوان المسلمين للانقلاب، وكان الداعية عمرو خالد قد ظهر بقوة بعد الثورة المصرية وتنحية الرئيس السابق حسني مبارك، وأكثر من ذلك وضع حجر أساس حزب سياسي، ونادى بمشروع قومي يوحّد الشعب المصري وقياداته.
ولكن بعد فوز الإخوان المثير في الانتخابات الرئاسية، اختفى وصار يقدم في عز الأزمة والفتنة دروسا عن الفتوحات الإسلامية والزمن السابق. وقالت قنوات فضائية ومواقع إلكترونية إنها حاولت استدراجه لأجل أن يقول رأيه بصراحة، ولكنه رفض، وعندما استجاب للعربية السعودية دون غيرها فهم الجميع أن رأيه لا يختلف عن القناة التي تصوّر السيسي على أنه بطل زمانه، وتصور الإخوان على أنهم إرهابيون، بدليل ما تعرض له من حملة فايسبوكية وضعته مع الانقلابيين ن خاصة بعد ظهوره في مقطع الفيديو مع علي جمعة وسالم عبدالجليل ،
إنني وأنا أتابع متابعة متأنية ودقيقة لمواقف عمرو خالد من الانقلاب تبين لي أن الرجل وجب عليه أن يقف مع نفسه وقفة يحاسبها عن مواقفها الأخيرة وخاصة تلك التي دعا فيها على إباحة قتل الإخوان ، فذلك قمة الهمجية التي يمكن لأكاديمي ومثقف وداعية أن يلجأ إليها مستغلا موقعه في قلب الشباب.
إضاءة:
ذو العقل يشقى في النعيم بعقله*وأخو الجهالة بالشقاوة ينعم
لا يخدعنك من عدو دمعه*وارحم شبابك من عدو ترحم
لا يسلم الشرف الرفيع من الأذى*حتى يراق على جوانبه الدم
والظلم من شيم النفوس فأن تجد*ذا عفة فلعلة لا يظلم
ومن البلية عذل من لا يرعوي*عن غيه وخطاب من لا يفهم
ومن العداوة ما ينالك نفعه*ومن الصداقة ما يضر ويؤلم
مروان المخلافي
عمرو خالد في الميزان!! 2787