أربعون خريفاً على تلك الملحة الخالدة والمتجددة في وجدان الشعب المصري والعربي،6أكتوبر عيد الانتصار والعبور، عيد التحرير والقومية، عيد له مذاق وفرحة خاصة في قلوب الشعب، تختلف عن الشكل المعتاد والمتكرر لاحتفاليات السلطات المتعاقبة طيلة 40 سنة على تلك الملحمة؛ إلا أن عاماً واحداً صنع اختلافاً.
في صباح 6 أكتوبر من كل عام يبحث الشعب المصري عن جيشه وانتصاراته التي أضحت كآثار مصر الجاثمة على الأرض بلا حراك، إلا أنها على الأقل ذات قيمة وطنية واقتصادية تعود على الكنانة بالكثير.. في مقابل ذلك الجيش الذي هو الآخر جاثماً على أرض، ويتشدق قياداته بسرد القصص والأحداث عن البطولات والانتصارات التي يحتاج إليها الشعب في هذا الزمان وتنتظرها الأمة بكل شوق ولهفة، لكنها يحتاجها أفعال وأعمال على أرض الواقع لا روايات وحكاوي لا طائل من وراءها إلا تمجيد الحاكم وتعبيد المحكوم.
لقد «عادت حليمة لعادتها القديمة», فالشعب يحتفل بطريقته المعهودة ويبحث عن جيشه الأسطوري، والسلطة تغرد في سرب العدو الإسرائيلي عائدة للطريقة المباركة التي اعتادوها لـ39 عاماً، وإن كان لاحتفالاتهم هذه المرة مذاق أليم يتجرعه الشعب وهو يرى قيادة الجيش تتدحرج راجعة عبر السنين، تاركة وراءها القناة والشعب والوطن والأمة وانتصارات أكتوبر وأمجاد عبدالناصر وإيجابيات مبارك لتهوي في انتكاسات الحاضر وحضيض الهزيمة التي سلكها الجيش كخريطة طريق إرضاء للمخططات الخارجية والأعداء التاريخيين، ومن سار على شاكلتهم من الدمى المسماة اعتباطاً زعامات عربية.
بإكليل زهور حملها الرئيس المعين من الجيش عدلي منصور وبرفقته الفريق أول/ عبدالفتاح السيسي وزير الدفاع قائد الانقلاب العسكري على الرئيس المنتخب/ محمد مرسي، ووضعوها يوم أمس الأول على ضريح الراحلين الناصر والسادات والجندي المجهول، في حين وزعت أكفان الموت على عموم الشعب المصري ورافضي الانقلاب العسكري ليسقط عشرات القتلى والجرحى في شارع رمسيس وأسيوط والإسكندرية برصاص قوات الأمن والجيش المصرية.
في ذكرى العبور وتحرير سيناء وانتصار أكتوبر احتفل الانقلابين وحدهم والشعب احتفل وحده بطريقته كما هو كل عام منذ أربعين سنة.. لكن عاماً واحدً صنع اختلافاً، حيث اجتمع شمل الشعب والسلطة فاحتفلوا معناً بذكرى انتصارات الجيش وانتصار الثورة ..كأن احتفال العام المنصرم 2012 مختلف، في ظل حكم الرئيس المدني المنتخب محمد مرسي الذي كرم أبطال الحرب الذين غيبهم السادات ومبارك ومنهم الفريق سعد الدين الشاذلي أركان حرب القوات المسلحة المصرية والعقل المدبر لانتصار 6 أكتوبر، كرم مرسي أسرته بعد ما عانه الشاذلي من عزل وسجن ونفي وما لحق بأسرته من معانة طويلة، وهذا ما كان واضحاً وجلياً في تلك الدموع التي ذرفتها زوجة الشاذلي أثناء تسلمها قلادة النيل من الرئيس مرسي.
إن احتفال الشعب المصري بانتصار جيشه كان أبلغ تعبيراً.. تلك الدماء التي سفكت وهي تحمل صور أبطال أكتوبر الفريق سعد الدين الشاذلي والمشير الجمسي والمشير أبو غزالة، والعميد الرفاعي ، فالمصريين يطالبون اليوم بعودة جيشهم المسروق ورئيسهم المخطوف ، لكن ما يدعوا للغرابة هي تلك العناوين المقززة والتي حول فيها انتصار الشعب إلى مناسبة رخيصة لشن تهم التخوين والعمالة تحت تساؤلات فارغة عن دور الإخوان في انتصار أكتوبر وعبر القناة وكأن الجيش تابع لفصيل من الشعب على حساب الآخر.
ألم يراجع هؤلاء التاريخ ويعرفوا عن عملية العبور وخطتها العسكرية التي حملت اسم «المآذن العالية» وهي تسمية غريبة في القاموس العسكري الحربي، إلا أن أغبياء التاريخ لا يدركون الطابع الإسلامي الذي تمكن المصريون من خلاله تحقيق النصر وعبور القناة ودليل ذلك قائد الجيش والمخطط الشاذلي الذي تتطابق أحداث حياته مع ما لاقاه الإخوان المسلمين.
يقول الشاذلي في مذكراته:« في عام 1974 وبينما كنت سفيراً لمصر في لندن حضر إلى مكتبي ذات يوم الملحق الحربي المصري وهو يكاد ينهار خجلاً.. كان متردداً وهو يحاول أن يتكلم إلى أن شجعته على الكلام فقال : سيادة الفريق.. أني لا أعرف كيف أبدأ وكم كنت أتمنى ألا اجد نفسي أبداً في هذا الموقف ولكنها الأوامر صدرت إلي, لقد طلب مني أن أسلم إليكم نجمة الشرف التي أنعم عليكم بها رئيس الجمهورية.. فاستلمت منه الوسام في هدوء وأنا واثق أن مصر وليس (السادات حاكم مصر) سوف يكرمني في يوم من الأيام بعد أن تعرف حقائق وأسرار حرب أكتوبر،، ليس التكريم هو أن أمنح وساماً في الخفاء ولكن التكريم هو أن يعلم الشعب بالدور الذي قمت به.. سوف يأتي هذا اليوم مهما حاول السادات تأخيره ومهما حاول السادات تزوير التاريخ».. وتحقق كلامه بتكريم مصر المتمثل بتكريم مرسي لأسرته العام الماضي.
ويكشف الشاذلي حقيقة المؤامرة التي أخرجت الجيش المصري عن دوره القومي في كتابه «مذكرات حرب أكتوبر» والذي اطلع العالم فيه على ما حدث بعد العبور لعقيدة الجيش المصري من تغير وتحول حسب ما يرتضيه الأعداء، وهذا ما يعيشه المصريون اليوم ويتجرعون ويلاته صباح مساء.
إن على المصريين اليوم أن يراجعوا التاريخ ويصححوا ما زيف منه.. عليهم أن يعبروا وحل الانقلاب لينقذوا الجيش المصري وشرف الأمة والشعب من خطر «السيسي» قائد الانقلاب وخريج سنوات التطبيع مع العدو «خريج سنة 77» ، والمصريون قادرون على العبور مجدداً بثورتهم وانتصاراتهم .. ومن كان سلاحه «الأمل» الكبير بالله والسلمية الخالصة، قادر على صنع انتصارات أعظم من انتصار 6 أكتوبر و25يناير، والأيام كفيلة بذلك.
معاذ راجح
انتصار 6 أكتوبر.. إخواني بامتياز!! 1746