للحقيقة أعداء كثر ممن احترفوا خداع الشُعوب واستأثروا لأنفسهم بالوصاية على إرادة الأمة، فجعلوا من التضليل وسيلة لإشباع ذاتهم المريض، ومن الحقد الأحمق أداة لإلحاق الضرر بمشاعل الحرية وكل من سعى لإفشال مخططاتهم الإجرامية بكل مهنية صحفية ودقة إعلامية، إلا أن الحماقة أعيت من يداويها.
في الأمس كانت الأيادي العابثة تمارس هوايتها المفضلة في طمس الحقائق بإحراقها سيارة توزيع الصحف الصادرة عن مؤسسة الشموع «أخبار اليوم ويمن فوكس» والمخصصة للعاصمة عدن، وهذه الحادثة ليست بالجديدة فالمؤسسة ممثلة بالصحف الصادرة عنها مستهدفه منذ زمن ليس ببعيد من جهات وأحزاب وجماعات وشخصيات مختلفة اتفقت على عداءها للحقيقة ووسائل الإعلام التي انتهجت البحث عن الحقيقة والتزام جانبها وجعلت ذلك مسؤوليتها الأولى، لا فكاك منها، رغم ما يلحق بها من تدمير واستهداف وخسائر كبيرة.
تكرار الاعتداء وحرق ومصادرة صحيفة "أخبار اليوم" ليست أعمالاً فردية أو شخصية، ولكنها حملة منظمة واستهداف مقصود للدور الذي تلعبه الصحيفة في كشف حقائق ما يجري في جنوب اليمن من حراك شعبي وسياسي واجتماعي ومظالم تزداد مع الأيام وتعاقب الأنظمة، خصوصاً في ظل المرحلة الانتقالية التي يحاول البعض فيها أن يدعي الأحقية في تمثيل الجنوب والتكلم باسمه والمفاوضة نيابة عنه.
المتابع العادي ليومية "أخبار اليوم" و "يمن فوكس" يمكن أن يستنتج الأسباب التي تدفع بالبعض للاعتداء على الصحيفة وموزعيها وإحراق نسخها في المحافظات الجنوبية، وبكل بساطة يعرف تلك الجهات والشخصيات التي تكرر اليوم أحداث الأمس مع تغير طفيف في الطريقة، وإن كان الهدف واحداً, وهو الهيمنة والسيطرة والوصاية على الجنوب شعباً وأرضاً وإنساناً وهوية وثروة.
ليس خطأ أن تقف صحيفة مهنية ومؤسسة إعلامية على مسافة واحدة من كل الأطراف السياسية والمجتمعية، فهذا هو شرف وميثاق العمل الإعلامي والصحفي، لكن الخطأ هي تلك الأعمال الإجرامية المنحطة، التي ينجر لها أولئك المذنبون، الذين لا يعرفون الأساليب الحضارية للتعامل مع وسائل الإعلام ويخلطون بين الإعلام الحر, منبر كل القوى السياسية والشعبية والمجتمعية, والخصومة السياسية التي يحملونها لبعض تلك الأطراف؛ وهي في الجنوب اليمني كثيرة ومتنوعة بين دعاة للانفصال ومنادين بالكفاح المسلح وآخرين انخرطوا في الحوار الوطني محاولين طمس كل ما يخالفهم الرأي والهدف والطريقة.
للإخوة في مؤسسة الشموع وصحيفتي "أخبار اليوم" و "يمن فوكس" الذين سلكوا طريق البحث عن الحقيقة والوقوف مع الحق في هذا الزمان الأغبر والمرحلة الحرجة، عليهم أن يتقبلوا بصبر وصمود كل ما يلاقون في هذا الطريق من حماقات تصادر بها الحقوق.. عليهم أن يتحملوا كل ما يدمي الأقدام ويجرح المشاعر.. عليهم أن يستمروا في إطلاع الشعب على ما يدور تحت طاولات الساسة وفي زوايا وأرجاء القصر، فالمهمة صعبة والتضحية كبيرة.. وليكن شعار الزملاء ما قاله الشاعر المصري احمد حجازي في قصيدته المسماة دفاعاً عن الكلمة:
«أنا في صف المخلص من أي ديانة..
يتعبد في الجامع أو في الشارع
فكلا الاثنين تعذبه الكلمة
والكلمة حمل وأمانة
أنا في صف المخلص مهما أخطأ
فالكلمة بحر يركب سبعين مساء
حتى يلد اللؤلؤ
أنا في صف التائب مهما كان الذنب عظيما
فطريق الكلمة محفوف بالشهوات
والقابض في هذا العصر على كلمته
كالممسك بالجمرة»
ومهما احترقت صحف الشموع وتكبدت المؤسسة من خسائر, ومهما مورست ضدها من تعسفات صادرة عن رئاسة الجمهورية أو حكومة الوفاق المماطلين في تعويضها عن الخسائر المادية السابقة، وفقاً للأحكام القضائية النافذة، فإن الشعب اليمني وأحرار الجنوب وكل الشرفاء يعرفون أن المؤسسة والصحف الصادرة عنها تعاقب لوقوفها بصف الشعب اليمني والتزامها بالمهنية والدقة في نقل الحقائق وأخطاء أولئك المجرمين تؤكد أن الحقيقة ما تنقله صحف المؤسسة, وهذا ما يشير له الطبيب النمساوي "سيغموند فرويد", مؤسس علم التحليل النفسي, بقوله:« يكتشف المرء الحقيقة الكاملة من خطأ لآخر».
ورحم الله الرئيس الراحل/ جمال عبدالناصر الذي أشار في حديث له إلى أعداء الحقيقة بقوله:« إن أعداء الحقيقة يملكون وسائل مخيفة يعملون بها، كما يملكون أجهزة ضخمة تستطيع خدمتهم في ذلك، وتسخر لهذه المهمة أحدث ما وصل إليه العلم الحديث من الوسائل المادية والنفسية، لكن الحقيقة في النهاية تنتصر بأصدقائها والمؤمنين بها، والذين يستطيعون أن يحملوا رسالتها إلى الآفاق الممتدة»..
والمؤمنون بما تنقله "أخبار اليوم" و "يمن فوكس" سيطلعون بدورهم في إيصال رسالة الحقيقة مهما حاول الخفافيش ودعاة التخريب تكميم الحقيقة وتكبيل أدواتها الإعلامية الشريفة ومصادرة حقوقها المكفولة دستورياً ووطنياً.