يبدو أن القوى السياسية والاجتماعية والدينية في اليمن لم ترتقِ إلى مستوى الثقافة الإيجابية التي يتطلبها المجتمع اليمني على المستوى الاجتماعي والثقافي والديني والسياسي, فنهلت هذه القوى والمكونات ثقافة التقليد والتطبيق الصوري لمعالم التوجه الانفرادي والمحصور, فحاولت هذه القوى أو الأحزاب أو الجماعات الانخراط بالميادين واتخذت من معالمها وأهدافها رسماً شكلياً للغاية من طموحها وأهدافها, فاتخذت التأطير والتنظيم والتنسيب والتوسع الفكري والنفوذي والاجتماعي والقبلي طريقاً لها, فسلكت هذه القوى طريق السباق البطي والممل على من سيحظى ويكسب اكثر من خلال التواجد في الميادين أو من خلال التواجد في المناصب في مؤسسة الدولة أو في المؤسسات الخاصة.. فانحرفت هذه الثقافات عن مسارها الحقيقي والذي كان يتطلب من كل القوى والمكونات السياسية والدينية وغيرها أن تظهر معالم ومقاصد الأهداف والبرامج على نموذج التعامل السلوكي الإيجابي والتنافس على بناء الوطن وخدمة الوطن والتوسط في الدين والمنهج..
لكن هذه القوى اليوم ربما سلكت سلوك التشويه بالآخرين والبحث عن أخطاء الآخرين وعلى حساب التنافس والمقارنات, حتى وصل الأمر من بعض القوى أن اتجهت إلى مصادرة حقوق الآخرين وعدم الاعتراف بالآخر في الميدان السياسي.. ربما الجميع لم يوجدوا ولم يخلقوا ثقافة للتحاور والمشاركات وتبادل المعلومات والخبرات وزرع الانسجام المهني والتربوي والإرشادي والسياسي بين الأحزاب المتنافسة والجماعات حتى تسيير الأمور وتترجم ثقافة تلك القوى والمكونات والأحزاب التي ربما الجميع يفتقرون إلى ثقافة حواريه حقيقيه تعدو فيها النفع على الوطن والفئات المناصرة والمنظمة. فاصبح وجود هذه القوى ليس فيها تأثير على الواقع وعلى المواطن اليمني البسيط هذا بالنسبة للعامة. والذين لم يتم انسجامهم مع الأفكار والأطروحات لهذه القوى كأحزاب أو قوى سياسية في البلاد.. فلربما في اليمن الجميع متقاربون في الثقافة وفي الفكر والعادات والتقاليد, عكس الثقافات في البلدان الأخرى..
فمن هذا المنطلق كان يجب على القوى في اليمن أن تعيد النظر في ثقافاتها المنطوية في برامجها وأهدافها التنظيمية والثقافية وإعادة روح السياسة الإيجابية إلى المناصرين والموالين, والتنافس في الميادين على خطى المصداقية والإيجابية ونبذ الكرائه والعداء وعدم مصادرة حقوق الآخرين, فمن يريد أن يصعد إلى الكرسي عليه أن ينظف ويعقم ويلمع أرضية الشعب التي تقف عليها هذه الكرسي, وحتى يستطيع أن يصعد بدون أن يكون صعوده معرض لمخاطر الأشواك والشوائب المتناثرة هنا وهناك.. أما من أراد أن يتعالى ويترفع ويحكم وهو لا ينظر إلى أسفل قدميه ولا يعترف إلى بوجود نفسه فقط, فمن المؤكد انه سيسقط وبدون أن يشعر.
فيا من حكمتم اليمن, ويا من تشاركون في حكم اليمن اليوم, ويا من تأملون أن تحكموا اليمن غداً, ويا من تتقاعسون عن حماية اليمن, ويا من تتآمرون على تمزيق اليمن: التاريخ لن يظلم أحداً.. والتاريخ لن يغفل عن احد, فالثقافة والسلوك والأخلاق الوطنية والإنسانية والشهامة والكرامة وحب الوطن والتواصي على الحق وعلى الصبر, هذه من صفات القوى والمكونات والأحزاب التي سيخلدها التاريخ والتي سيكتب عنها التاريخ.. فلا تركنوا إلى غروركم, ولا تركنوا إلى تخاذلكم, ولا تركنوا إلى نواياكم التي تطمس معاني الأخلاق والقيم والوطنية والإنسانية.. والله المستعان.
د.فيصل الإدريسي
ثقافة الانتماءات.. بعيون الأحزاب والجماعات 1059