على مشارف برهة من زمن, ها هو العيد يحث إلينا الخطى.. قد يترنح برهة في مسيرة وقد يتلكأ تارة في مسعاه.. قد يمر برهة على ضريح أحلامنا وقد يواري بعبوره نبضا تاه منا وانتحرت خطاه.. سيأتي إلينا ونحن ما برح الهم فينا مكانه منذ أن غادرنا أول مرة وعاشر مرة وحتى المرة المليون.. سيعود ونحن كما نحن, على موعد من معاناة لا تنضب وضيق حال لا يفتر وعسر يد لا ينتهي وعين بصيرة لم تعد ترى أكثر من واقع لا يرحم البؤساء..
وقبل العيد, بكل برود يسألونا ماذا يعني لكم العيد؟, فنحاول أن نجتر صوتا تاه في غرغرات حلوقنا, ونحاول أن نسترد إجابة تحشرجت في غصص جراحاتنا, ونحاول أن ننمق ولو خربشات حرف على ذيل صفحة مهترئة هي في الأصل جبيننا الواهن.. وكأننا قد نسينا صوت صمتنا وأضحت ملامحنا تتحدث دونما شفاه وتحاول أن ترسم جسراً من عناء لا أول له من آخر لشعب تلاحقه النكبات وتمتطيه الأزمات وتغطي وجهه النكسات.. يعود إلينا العيد وحالنا لا يحسدنا عليه أحد, نحاول أن نيمم نبضنا صوب كل الاتجاهات فلا يرتد إلينا إلا صدى خائب فيه من الحيرة الكثير وفيه من الأنين أكثر.
أي إجابة تُرجى من شعب يكتوي بنيران الفواجع والمقاهر بنسبة تزيد عن عدد خفقات قلبه آلاف المرات؟!, أي إجابة تُرجى من شعب يحاصره الموت من كل جانب؟!, أي إجابة تُرجى من شعب ما رأى في حياته يوماً جميلاً؟!.. أسعار تشتعل نيرانها كل لحظة وهو غير قادر أن يجد حتى رغيف خبز جاف يسد أمعاءه المتضاربة, وغير قادر على أن يوفي أدنى التزاماته تجاه أطفال لا ذنب لهم إلا أنهم جاءوا في زمن قبيح.. حالة اقتصادية مزرية تعاني الموت السريري وكهرباء تعيش في غيبوبة دائمة وماء يهددنا بالجفاف حتى جف النبض فينا مسراه, ظلمات فوق ظلمات بعضها فوق بعض تمتطينا حتى سأمت منا ظلماتنا وصارت ترثي لحالنا لكن أولي الأمر فينا ما رحموا نظراتنا الشاردة ورغبتنا المخفية بمغادرة هذه الأرواح التي تسكن أجساد مهترئة ومغادرة هذه الملامح التي باتت تؤرقنا وتحملنا مالا طاقة لنا به من الاختناق.
نريد فقط من هذه الحياة أن تمنحنا ولو فتات من فرح, ونرجو من هذا الوطن أن يسمح لنا بفتيل ابتسامة ولو باهته, نريد من هذا القلب أن ينقلب ويثور على قطعان الفواجع وفيالق الأسى وأسراب الذبول المتسارعة والتي تصر أن تنازعنا خيوط الضوء كلما بزغ على وجه الدنيا نهار.. نريد أن نغادر هذه الملامح التي لا تفصلنا عن أصابع الموت سوى خيط عنكبوت واهن.
هي مجرد تمتمات, قد نقول عنها أمنيات أو ربما أحلام يقظة أو حتى أحجيات صارت عصية على الزمن أن يحققها وكل الخطى تسير بنا نحو سراب قاحل وعمر واجم وواقع مشحون بمكاره الحياة.. هو واقع يسحبنا لمبتدأ الهزيمة ونهايات الفرح وتوالي الهم وتكاثف الاختناق, هو واقع يفرض ما نحن عليه اليوم من أنين وتفكير عميق يتكأ على شرود بغيض غرس في مهج أرواحنا تجاعيد السنين وعلى أكبادنا تعرجات العمر العقيم وعلى شكل بسماتنا الضائعة موت الحلم في دجى ليل ضرير.. هو موت بطئ يزاحمنا هدير الثواني.
نحن لا نريد الكثير, نريد فقط أن نشعر أننا في وطن يحتوي آلامنا وجراحاتنا وكفى.. فهل هذا كثير على شعب أشبعته المحن هماً وقهراً وكمداً؟, فمتى يحين له أن يستكين وتهدأ روحه القلقة والمخفية قسراً في توابيت الهم والخوف من حاضر لا يرحم ومستقبل يخبئ له المزيد من الخوف والموت؟ .. قولوا لنا أنتم ماذا نقول للعيد وملامحنا منسية في وطن تناسى أنين أبناءه؟, ماذا نقول يا تُرى؟.
سمية الفقيه
عيد ملامحنا المنسية في توابيت الأنين 1276