;
د.إبراهيم الديب
د.إبراهيم الديب

قراءة استراتيجية في قرار حل جمعية الإخوان المسلمين 1404

2013-09-28 12:55:11


بداية وبحسب تعليق خبراء وفقهاء القانون، فإن هذا الحكم باطل؛ كون محكمة القاهرة للأمور المستعجلة غير مختصة، وليس من حقها إصدار هذا الحكم، وهذا بنص قول المستشار أحمد مكي وزير العدل السابق، والفقيه الدستوري نور فرحات.
بيد أني لا أود الخوض في تفاصيل وإجراءات الفعل القانوني، حيث أن الأمر برمته لا ينتمي للمسألة القانونية بقدر ما هو أمر عسكري واجب التنفيذ يتم تنفيذه باستخدام وسيلة قانونية تسمع وتطيع لجبروت العسكر.
كما أنه وفي سياق الخصومة السياسية القائمة بين النظام الانقلابي الحاكم، والمنتزع السلطة قسرًا بقوة السلاح من النظام الشرعي المنتخب، والذي يعد ممثلاً للإخوان المسلمين، يعد حكمًا سياسيًّا لا قانونيًّا بامتياز للانتقام من الخصوم السياسيين ومحاولة لتجريدهم من أسباب قوتهم بل ومحض وجودهم القانوني.
ما أود التركيز عليه هنا هو السياق الاستراتيجي لهذا الحكم المطعون فيه قانونًا ومنطقًا، ومآلات هذا الحكم على الواقع المحلى المصري والإقليمي العربي والدولي.
وعن السياق العام الذي جاء فيه هذا الحكم، فقد جاء متزامنًا مع مجموعة من الإجراءات التفصيلية المتسارعة على الأرض، من إغلاق غير مسبوق لما يزيد عن ستين ألف مسجد في كافة محافظات مصر بقرار إداري غير مسبوق بتحديد حد أدنى لمساحة المساجد، في دولة تعاني نقصًا في الموارد، وضعف قدرة الأوقاف عن بناء مساجد جديدة تستوعب الأعداد المتزايدة من المصلين الذين يفترشون الشوارع خمس مرات يوميًّا للصلاة، وشاع فيها تخصيص الدور الأول من العمارات السكنية لإقامة شعائر الصلاة، بالإضافة إلى سحب ترخيص الإمامة والخطابة لما يقارب الخمسين ألف إمام بدون سبب؛ مما اعتبره البعض حصارًا متعمدًا للمد الديني في مصر وحربًا صريحة على الإسلام، خاصة عندما تتزامن مع الكثير من التصريحات المنسوبة لرموز علمانية تتحدث عن انتهاء عصر الإسلام والإسلاميين في مصر، وأن مرجعية مصر يجب أن تكون لثقافة البحر المتوسط وتتزايد الشكوك حول نية النظام العسكري في حربه على الإسلام عندما تصدر نفس التصريحات على لسان ممثل "رسمي" للحكومة وهو الدكتور مصطفى حجازي. ويؤكد ذلك الهجوم الكبير والإلغاء المتعمد للنصوص الدستورية الستة الشهيرة التي تتناول وتؤكد الهوية الإسلامية الدولة المصرية في الدستور المصري.
ويزداد الأمر تعقيدًا عندما تصدر الكثير من التصريحات الاستفزازية من بعض رموز نصارى مصر حول ضرورة تغيير هوية الدولة عن قبلة الإسلام، ويختتم المشهد بمشهد صادم وغير مسبوقة على الشعب المصري حين يجبر طلاب المدارس والتي جلها طلاب مسلمون للاستماع إلى ترانيم من الإنجيل في طابور الصباح المدرسي كل يوم.
في الوقت نفسه تأتي تصريحات الصهاينة لتشكر السيسي، وتعظم من شأنه لدرجة التكريم والاحتفاء به على تخليص مصر والكيان الصهيوني من الإخوان المسلمين عدوها الأول في المنطقة والعالم، أيضًا في حين يتغافل الغرب وأمريكا عن سحق ستة آلاف من المعتصمين المصريين جلهم من التيار الإسلامي، في ظل دعاوى محلية معلنة حول فرصة إبادة أكبر قدر من الإخوان المسلمين والإسلاميين عامة المعتصمين في رابعة والنهضة، نقرأ ذلك في سياق فهمنا لحقيقة الصراع الحضاري الكبير بين الحضارة الغربية والحضارة الإسلامية؛ مما بدا موثقًا في وثيقة كامبل 1917، وصراع الحضارات لصمويل هنتجتون، وتصريحات جوزيف ناي حول القوة الناعمة والاستراتيجيات الناعمة لحصار الهوية الإسلامية، وكلهم من الرموز والمراجع الفكرية الغربية التي تأتي جميعها في منطق فعل رابط واحد، هو رفض المنافس الحضاري الإسلامي الجديد، ولتكن محاربته وحصاره بداية من أرضه وأصوله التجديدية في مصر، أصل ومنشأ فكر الإخوان المسلمين.
كل ذلك يوحي- بلا شك- بحرب محلية وإقليمية وعالمية على الإسلام والإخوان المسلمين تحديدًا باعتبارهم الجماعة الأكثر التزامًا وتمثيلاً للإسلام الحضاري الذي ينتشر بقوة الدفع الذاتي، كما كونها الأكثر تنظيمًا وقوة وفاعلية في حقل الدعوة الإسلامية عالميًّا، والمحافظة على الهوية الإسلامية ليس في مصر فحسب بل والعالم كله.
إذن بما لا يدع مجالاً للشك هي حرب عالمية على الإسلام وعلى الربيع العربي وعلى الإخوان المسلمين؛ باعتبارهم القلب الحي النابض في جسد الأمة العربية والإسلامية الغارق في سبات عميق؛ مما يؤكد فرضية أن قرار حل الإخوان جاء قرارًا دوليًّا بلسان الحاكم العسكري لمصر وبقلم قاضي محكمة القضاء المستعجل في القاهرة، خاصةً إذا ما كان التاريخ يعيد نفسه، لنفس القرار الذي اتخذ عام 1948 من قبل الملك فاروق جاء بعد طلب القوى العالمية الثلاث حينئذ إنجلترا وفرنسا وأمريكا عندما اجتمع ممثلو الدول الثلاث بالملك فاروق في فابد بالإسماعيلية وأبلغوه قرارهم، لينقله لحيز التنفيذ على يد حكومة النقراشي.
شواهد أخرى كثيرة تربط بين توجيه ضرب قوية وقاصمة تقترب من الإبادة فيما يمكن تسميته بضربة القرن، وبين محاولات وأد وقتل الربيع العربي إذا ما اتفقنا على توصيف الربيع العربي بكونه تغيرًا نوعيًّا كبيرًا في وعي المواطن العربي وإحساسه بذاته، وإدراكه لهويته وتراثه الحضاري، ومكانته التاريخية، دفع به على تحرك جماهيري جارف أدى إلى إسقاط بعض الأنظمة الديكتاتورية واستبدالها أنظمة أخرى بها، وقد بدأ في أربع دول ومرشح للتمدد ليشمل العالم العربي من أقصاه إلى أقصاه بمقتضاه أصبح المواطن أكثر إدراكًا لحقه في تغيير أوضاعه إلى الأفضل، وأكثر جرأة في التعبير عن رفضه للظلم الاجتماعي والسياسي.
بالتأكيد جميع مخابرات الدول الغربية، والمعنية بالشأن العربي وحماية مصالحها فرض عليها أن تسأل ما هو السر الكامن وراء احتفاظ المواطن العربي بهذا المكنون القيمى، والإرث الحضاري الذي جدد فيه هذه المعاني وجعله يخرج ويثور ويطالب بحقه، بل ويغير نظمًا حاكمة كانت موالية ومستقرة عقودًا من الزمن، وقد مارسنا عليهم كافة واحدث أشكال حرب الهوية وتفريغ الإنسان من مكنونه القيمي وإرثه التاريخي ليسهل تركيعه واستعباده واستنزافه بسهولة ويسر، بالتأكيد لن تجد أجهزة مخابرات هذه الدول صعوبة في الوصول إلى أن الإخوان المسلمين هم السبب الرئيس في محافظة المجتمعات العربية ومصر بالذات على قيمها وهويتها الحضارية، الباعثة للشوق الدائم والحنين الملهب لدى المواطن العربي في استرداد إرثه ومكانته الحضارية المرموقة بين الأمم.
إذًا لم يكن في العالم العربي كله ومصر خاصة من يجمع ويصف الشباب لتربيتهم وإعدادهم كوادر مستقبلية لإدارة المجتمعات، ولا يهتم بغرس الأفكار والقيم بصورة مؤسسية منظمة، إلا تنظيمان وحيدان، الأول هو تنظيم الإخوان المسلمين، والثاني هو التنظيم الطليعي الذي أسسه عبد الناصر لمواجهة الإخوان، وقد ولى سريعًا التنظيم الطليعي، لأسباب عديدة أهمها غربته، وغربة ما جاء به عن التربة بل والمناخ المصري والعربي المتدين بطبيعته، في حين نما وترعرع وأثمر تنظيم الإخوان المسلمين مصريًّا وعربيًّا ودوليًّا لينشر ويعزز ويبني ويمكن لمفردات الهوية الإسلامية، ويعد كوادره لقيادة المستقبل القادم للحضارة الإسلامية العائدة بقوة لميدان التنافس الحضاري مع الغرب.
بالتأكيد لو كنت أنا مسئولاً بأحد أجهزة المخابرات الغربية لخصصت كل جهدي لمواجهة الإخوان المسلمين؛ إذ هم القلب النابض في الجسد المصري والعربي وبوأد الإخوان أوقف الربيع العربي المهدد لمصالحنا ومستقبلنا في المنطقة العربية.
 ما يعنينا في الأمر هو تداعيات هذا القرار محليًّا على مصر، وإقليميًّا ودوليًّا، ثم على الإخوان المسلمين أنفسهم، وعلى الحراك والفعل الثوري الجاري على الأرض الآن بكافة محافظات مصر.
من أهم تداعيات هذا القرار على الحراك والفعل الثوري المصري الجاري حاليًّا ضد نظام الحكم القائم، أحسب أنه سيقابل بردة فعل عكسية ثورية كبيرة، والتي يمكن نتتبعها في التزايد المرتقب لأعداد المتظاهرين الرافضين للانقلاب، وفي حماس وجرأة الثوار على مواجهة القمع الحكومي، فيما يعرف بمعركة كسر الإرادة بين النظام والشعب.. باختصار القرار يعد مزيدًا من الوقود على نار الثورة المشتعلة.
ومن أهم تداعيات القرار على المجتمع المصري والذي سيتضرر كثيرًا بحصار وتجميد الكثير من أنشطة الإخوان وعلى رأسها ملف التكافل الاجتماعي لملايين الأسر التي كانت تستفيد من الأنشطة الخدمية التي يؤديها الإخوان بكفاءة ومهنية عالية جدًّا بحكم إخلاصهم لفكرتهم وحبهم لوطنهم وتربيتهم العقائدية والمهنية التي تميزهم عن إقرانهم، وتمنحهم قدرات كبيرة في خدمة وطنهم بحب واعتزاز، خاصةً أن الإخوان موجودون في كل قرية وشارع في مصر، ووصولهم لخدمة الشعب أقدر وأفعل وأفضل مما تقوم به أجهزة الدولة بكثير في مجالات التعليم والصحة والتكافل الاجتماعي وتوفير الاحتياجات الأساسية لحياة الناس.
كما أعتقد أن المتأثر الرئيسي أيضًا في مصر نتيجة محاولة تغييب الإخوان عن ساحة الفعل السياسي، هو توقف نمو ونضوج بل وتجمد وتخلف منظومة الحياة السياسية في مصر كفكر وأفراد ونظم وتطبيق على الأرض، فلا شك في أن الإخوان هم الفصيل الفاعل في إثراء منظومة الحياة السياسية في مصر.
وبشأن التداعيات المرتقبة لهذا القرار على الشأن الداخلي للإخوان المسلمين فأحسب أنها ستتأثر لفترة مؤقتة، حتى يستعيد فيها الإخوان قدرتهم وقوتهم التنظيمية العالية للعمل بشكل غير معلن؛ إذ هم أصحاب فكرة ومبدأ ديني لا يساوم عليه، كما أن حبهم لخدمة وطنهم موثق تاريخيًّا، وبالتأكيد لن يتخلوا عنه، خاصة في ظل الظروف الصعبة والقاسية التي يعيشها المواطن والأسرة المصرية، خاصة في ظل إهمال الحكومة له.
بالتأكيد سيجدون من الوسائل المبتكرة ما يستمرون به في نشر فكرتهم وخدمة مجتمعهم، والمحافظة على هوية وحيوية المجتمع المصري بما يعزز قدرته على النهوض الحضاري من جديد.
ما خلصت إليه هو أن غياب الإخوان ولو مؤقتًا وبشكل جزئي عن ساحة الفعل السياسي والاجتماعي والثقافي والاقتصادي المصري؛ سيمثل ضربة قوية للمجتمع المصري في حاضره ومستقبله، فالإخوان بحكم التجربة التاريخية يمثلون قيمة مضافة لأي مجتمع يوجدون فيه، وإلا لما سمحت لهم 90 دولة في العالم بممارسة نشاطهم حتى وإن اختلفت معهم ايدلوجياً.

الأكثر قراءة

الرأي الرياضي

كتابات

كلمة رئيس التحرير

صحف غربية

المحرر السياسي

سيف محمد الحاضري

2024-10-14 03:09:27

القضاء المسيس ..

وكيل آدم على ذريته

أحلام القبيلي

2016-04-07 13:44:31

باعوك يا وطني

أحلام القبيلي

2016-03-28 12:40:39

والأصدقاء رزق

الاإصدارات المطبوعة

print-img print-img
print-img print-img
حوارات

dailog-img
رئيس الأركان : الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر

أكد الفريق ركن صغير حمود بن عزيز رئيس هيئة الأركان ، قائد العمليات المشتركة، أن الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر، مبيناً أن تشكيل مجلس القيادة الرئاسي الجديد يمثل تحولاً عملياً وخطوة متقدمة في طريق إنهاء الصراع وإيقاف الحرب واستعادة الدولة مشاهدة المزيد