لم أجد عنواناً استهل به مقالي سوى هذا الشطر من البيت الشعري الشهير:
"من يهن يسهل الهوان عليه ما لجرح بميت إيلام"
فقد وجدت فيه أصدق تعبيراً لما آل إليه حال الجيش والأمن بعد أن تزايدت في الآونة الأخيرة أعمال القتل والاغتيالات التي تستهدف ضباط وأفراد هاتين المؤسستين على نحو غير مسبوق.. إذ لا يمر يوم أو يومين إلا ونسمع عن حادثة اغتيال تستهدف مسؤولاً عسكرياً أو أمنياً أو ضباطاً وأفراداً يتساقطون الواحد تلو الآخر في مشهد يلفه الغموض.. حتى غدت مراسم التشييع تتصدر نشاطات القيادات العسكرية والأمنية والتي لا نستبعد مع تزايد أعمال الاستهداف والقتل الجماعي والفردي أن تبادر إلى استحداث مكوناً جديداً في هيكل وزارتي الدفاع والداخلية للقيام بأعمال التشييع طالما وأن هذه المهام أصبحت شبه مستمرة ولا يلوح في الأفق ما يبشر بتوقفها على المدى القريب ووضع حد لهذا النزيف ومسلسل القتل الممنهج الذي يحصد الأرواح تباعاً في ظل عجز واضح من قبل الأجهزة العسكرية والأمنية وأجهزة المخابرات المتعددة عن كشف خيوط ولو جريمة واحدة من جرائم الاغتيالات وكأنما شللاً تاماً قد أصابها فلم تعد قادرة على التعافي منه رغم تكرار التهديد والوعيد من خلال تلك العبارة الشهيرة التي تذيل بها بيانات النعي دائماً عقب وقوع كل حادثة اغتيال والتي مفادها "أن أجهزة الأمن لن تألو جهداً في تعقب الجناة وسرعة القبض عليهم وتقديمهم للعدالة لينالوا جزاءهم العادل والرادع".
وهكذا دواليك حتى أصبحت هذه العبارة مثاراً للتندر والسخرية بين الناس لعدم مصداقيتها وتحققها على أرض الواقع لينطبق عليها القول: "نسمع جعجعة ولا نرى طحناً".. اللهم إلا ما تتحفنا به بعض التصريحات من إشارات ترجح تورط القاعدة في بعض الحوادث وهي شماعة تستخدم لتبرير حالة العجز والفشل الاستخباراتي والأمني في التوصل إلى المجرمين الحقيقيين.. وهو ما شجع وسيشجع مستقبلاً على التمادي في أعمال القتل التي تستهدف رجال الجيش والأمن ما دام والقاتل في مأمن ولم يتم تحديد هويته.. وما لم يصحو المعنيون في وضع اليد على مكامن الخلل وهي كثيرة وحصيلة سنوات من الممارسات الخاطئة التي أضعفت هذه القوات فإن النتيجة ستكون كارثية وسيظل منتسبوها فريسة سهلة لكل عابث ومجرم ومخرب يسعى إلى تحقيق مصالحه غير المشروعة بمنطق القوة عن طريق ممارسة الإرهاب والقتل والتخريب (تخريب خطوط الكهرباء وأنابيب النفط أنموذجاً)..
فهل من مجيب؟!
نتمنى ذلك وإلا فإن الجيش والأمن إذا بلغ بهما الضعف حد عدم القدرة على حماية نفسيهما فإنهما بذلك يكونا قد فقدا مبرر وجودهما وهو الدفاع عن حياض الوطن وتوفير الأمن والأمان لأفراد الشعب لأن من يعجز عن حماية نفسه، فبكل تأكيد لن يقدر على حماية الآخرين.. ففاقد الشيء لا يعطيه.
عبدالقوي العصفور
القوات المسلحة والأمن.. "من يَهٌن يسهل الهوان عليه" 1255