الأمانة فضيلة من الفضائل وخلق من أخلاق الإسلام, بل ومكملة للشخصية الإنسانية والإسلامية وهي صفة كريمة من صفات الأنبياء وقد لقب بها الرسول صلى الله وعليه وسلم في مكة قبل البعثة النبوية حيث لُقّب (بالصادق الأمين)..
ولو أردنا إعراب جملة أمين سر المحكمة لو جدنا أن كلمة (أمين) مبتدأ مرفوع بالضمة الظاهرة على أخره وأمين مضاف وسر مضاف إليه مجرور بالكسرة والمحكمة مضاف إلى سر مجرور بالكسرة الظاهرة على آخره.. أي أن سر المحكمة بكامله مضاف إلى كاتبها وأمين سرها وهو الذي بقدرته الرفع من شأن المحكمة وعلو مكانتها وحسن سمعتها من خلال التحلي بالآداب والأخلاق والفضائل والتقيد بالقوانين الإجرائية وبقيامه بتعليق جدول الجلسات في لوحة الإعلانات من أول أيام الأسبوع حتى آخره وأيضا بحسن الخط وتدوين كل ما يُؤمر بكتابته على لسان القاضي من مرافعات الخصوم وأدلة الإثبات والدفاع وإعطاء المواعيد الجديدة للخصوم وتنفيذ قرارات المحكمة فيما يتعلق بتمكين الخصوم من محاضر الجلسات والمرافعات المقدمة بالجلسة, هذا بالإضافة إلى ترقيم المحاضر وعدم ابتزاز المتقاضين تحت مسميات هم يعرفونها.
ونحن عندما نتحدث عن السلوك السيئ لبعض أمناء السر فلا ننسى أن نشيد بالسلوك الحسن للبعض الآخر منهم فلهم من أسمائهم نصيب فهم اسم على مسمى.. أما السيئون فهم كارثة على المجتمع وقبل أن يسيئوا إلى أنفسهم فإنهم يسيئون إلى سمعة القضاة والمحكمة ويتسببون في عرقلة سير العدالة والقضاء أحياناً, بل ربما يبتزون بعض أصحاب القضايا باسم القُضاة النزيهين الشرفاء فيتنبهون إلى ذلك ويقومون باستبدال مثل هؤلاء بغيرهم وبعض القضاة ينبهون المتقاضين إلى مثل ذلك..
ومع ذلك فان عيوب بعض أمناء السر عديدة وأخطاءهم كثيرة وأعمالهم معيبة وما ذكرناه في هذا المقال هو جزء منها وسوف نكمل ذكر بقية العيوب في مقالات أخرى لاحقة ولا ندري كيف يقبل بعض القضاة محاضر جلسات غير مرقمة, ولا كيف يستطيعون التفريق بين محاضر غير مرتبة, ولا كيف يفهمون الوقائع من محاضر مجهولة, وإذا كان القاضي يريد فهم ذلك فيحتاج إلى ضياع وقت كبير حتى يُرتب المحاضر ويفهم ما فيها, مع أن هذا القاضي أو ذاك لديه يومياً العديد من القضايا ويحتاج إلى مراجعتها لمعرفة ما سيكون في اليوم التالي وأي قاضٍ لا يطلع على الملفات مسبقاً فلن يكون ملما بعمله ولا ناجحاً في أدائه إذن فلأمانة السر أهمية بالغة.. والقاضي هو صاحب القول الفصل وهو الرقيب على أعمال أمين السر وبقدر ما يملك من شخصية قوية بقدر ما يكون أمين السر ملتزماً بأعماله ومؤدياً لواجباته ومطبقاً للقانون.. لكن للأسف الشديد, فأصحاب الشخصيات القوية من القضاة قليلون وستجد أحياناً أن أمين السر ينتحل شخصية القاضي ويلبس ثوباً مشابهاً لثوبه وتوزته وعمامته ويوجه أسئلة للخصوم ويعطي مواعيدا بالمزاج فيقرب جلسة من يريد ويبعد جلسة من يريد وكل ذلك على حسب مقدار الفلوس التي تُعطَى إليه كما أن بعض المتقاضين ينخدعون, فيظنون أن أمين السر هو القاضي والقاضي هو أمين السر فتجد أمناء السر يتلقون الهدايا والمصاريف والمكرمات وحق ترتيب الملف, ناهيك انه عندما يُعطيك القاضي موعداً وأمين السر لا يوافق عليه, بل يعطي موعداً من عنده فيثبتُ قول أمين السر وينطبق على ذلك قول الشاعر:
إذا قالت حُذامِ فصدقوها
فإن القول ما قالت حُذَامِ
ومن يأخذ الوعد من القاضي دون التأكد من أمين السر أو الرجوع إليه سيجد نفسه ضائعاً تائهاً ويأتي مع محاميه يوم الموعد والاسم غير موجود في الجدول, هذا إذا تأكد من بداية الجلسات, أما إذا انتظر في القاعة حتى يُنادَى به فسيظل حتى تُرفع الجلسات دون أن يُنادَى باسمه, فيكون المتقاضي قد ضيع وقته وضيع ماله الذي صرفه في يوم الجلسة لنفسه ولمحاميه.. تُرَى من يتحمل الوزر والذنب سوى أمين السر.. ولا حول ولا قوة إلا بالله!.
أحمد محمد نعمان
أُمَنَاءُ سِرِّ المَحَاكِمِ.. مَنِ الرَقِيْبُ عَليْهِم؟ 1661