في لقاء تعز يومي 25-26 نوفمبر 1970م ، بين رئيسي شطري اليمن عبدالرحمن الإرياني وسالم ربيع علي، تم وضع براعم لقيام دولة الوحدة وإرساء دعائمها والمضي قدماً لتحقيقها على خطى الفيدرالية الاندماجية.
وفي 23 شوال 1392هـ ، 28 نوفمبر 1972م تم عقد مؤتمر بين رئيسي وزراء الشطرين محسن العيني وعلي ناصر بالقاهرة تحت مظلة الجامعة العربية وممثلي الجهات العربية المعنية بالمتابعة وإيقاف الصراع بين الشطرين وإصلاح ذات البين، وتم إقرار برنامج الوحدة والوفاق على عقد قمة طرابلس بليبيا الذي أطلق عليه مؤتمر قمة طرابلس للتوقيع على اتفاقية الوحدة بحضور رئيسي الشطرين الإرياني وربيع ومباركتهما وإشراف القذافي وإصدار ما عرف ببيان طرابلس حيث تم فيه تشكيل اللجان: الدستورية – والأمنية- والإعلامية- والسياسية، وتبادل أسرى الحرب التي أسندت إليَ وفوراً تم للجان مباشرة مهامها وسط موجة معارضة مجلس شورى الشمال والجناح اليميني برئاسة عبدالله الأحمر، أفضى إلى إقالة العيني والتركيز على إقصاء الإرياني، والعمل على تحجيمه.
المهم أن صناع الوحدة ودعاتها هم من تقدم ذكرهم في الوقت الذي تعذر مواصلة المساعي حتى وقت متأخر في عهد الرئيس علي صالح الذي وجد نفسه مضطراً للعب بورقتها والبحث عن سيمفونية جديدة لصرف الأنظار عن الإحاطات واليأس والفشل، فاتجه لفتح الملف والتباحث مع الجنوب الذي وجد نفسه أيضاً بعد سقوط الاتحاد السوفيتي بحاجة إلى مخرج والانفتاح على الجوار من خلال الشمال وكلاً له هدف خاص في نفسه وغاية الأمر الذي حدا بالجانبين إلى إعلان الوحدة من خلال إزاحة برميلي "كرش" و"قعطبة" تزامناً مع رفع علم الوحدة واستثمارها إعلامياً لصالح جانب واحد مع انه لم يسهم مطلقاً بأي دور ولا كان صادقاً فيما قام به أو كان يتظاهر به على الإطلاق.
وظني يقيناً أن الحمدي هو أيضاً على نفس المنوال أخذ يمارس نفس اللعبة للاستهلاك لا غير حسب معرفتي وصلتي بالوضع والنظام حينها وعلمي أنه كان ومنذ عام 1975م عقب حركته يعمل جاهداً على إزالة العقد والخلاف بين عدن والرياض ونجح في مساعيه وقد كان على موعد لزيارة عدن لنفس الغرض قبل اغتياله، حيث كان مع الأسف يعمل مزدوجاً وأخيراً ألقى بنفسه في أحضان زايد بن سلطان، مما أثار شكوك وأوهام حلفاءه الإقليميين واستيائهم تقريباً.
وأما فيما يتعلق بوحدة اليمن، فهي راسخة في جذور الشعب منذ الأزل وفي دمائه تجري في العروق باعتبارها مصيرية لا غنى له عنها، فعلى مر العصور وكر الدهور وتعاقب الأزمنة وعبر الحقب والمراحل والقرون المختلفة.. واليمن السعيد- الأرض والإنسان- في ظل الدولة المركزية داخل حدودها الجغرافية الطبيعية يمثل وحدة موحدة وأمة مترابطة وأجزاءُُ متماسكة ومجتمعاً مؤطراً وشعباً متحضراَ وبلداً متطوراً.
ولعل ذلك الإرث الجليل والخصائص الأصلية والمرتكزات الحضارية جعلت منه الأقدر والأجدر على تسطر العالم القديم وحمل الرسالة الإنسانية والدعوة إلى التعايش المشترك والتواصل الإيجابي والإيمان بوحدة الأصل البشري واحترام قيم التسامح وثقافة الحوار وكرامة الإنسان وحريته في الاختيار وتقبل مبدأ التنوع والرأي الأخر والتآلف والتعارف ونبذ العنف والتعصب والتمزق والخلاف.
من هذه المقومات والحفاظ على المعايير الخلقية والصلات الروحية، عاشت اليمن على مدى عشرات القرون وبالتحديد منذ القرن الـ 15 ق.م وحتى الغزو الحبشي لحمة واحدة قوية مستقلة وموحدة يسودها التبابعة العظماء والعمالقة الكبار والفاتحون الأقيال بدءاً بالدولة المعينية على مدى 850 سنة، يليها السبئية الأول حوالي 520 سنة، والثانية حوالي 835 سنة لما يقارب 22 قرناً قبل الإسلام، لم تنفصم عراها أو تنقطع أوصالها وتتمزق طوال ماضيها المجيد وتاريخها التليد، وحتى بعد الإسلام، سارت على ذلك النهج وخطئ الأسلاف، أكان في حكم آل زياد وآل يعفر وآل الحوالي آل الرسول وآل الصليحي والدعاميين الكهلانيين وفي العهد التركي الأول وحكم القرامطة.
بالإضافة إلى فترة الأئمة طوال حكم أسرتي آل شرف الدين وآل القاسم ودعوتهم الهدوية وحتى مجيء العثمانيين للمرة الثانية حوالي 1850م والبلاد مؤطرة وموحدة على مر القرون حتى الغزو الاستعماري البريطاني واحتلال جنوب اليمن وإتباعه نهج سياسة فرق تسد سعياً إلى طمس الهوية وفرض أمر واقع من خلال إقامة الحواجز والسدود الوهمية والحدود الاصطناعية لتكريس عامل الفرقة والتشطير على مدى 130 عاماً.
ومع ذلك لم ولن يستطيع تفتيت المجتمع اليمني الموحد، أو يقضي على ثقافته وموروثاته وعلاقاته الاجتماعية والصلات القرابية وحتى الاستقلال وإزالة كل العوائق التي وضعها في طريق الوحدة، سرعان ما برز رواد الوحدة ليعيدوا إلى اليمن تماسكه وانصهاره على امتداد مساحته الجغرافية وحدوده الطبيعية من جديد كما كان في الماضي البعيد.
عبدالجليل أبو غانم
دعاة الوحدة اليمنية وروادها قديماً وحديثاً. 1249