تتجلى سخافة الإعلام المصري أنه يتصرف طبقا للهوى أو التعليمات ولا فارق كبير، ولا تتاح له الفرصة ليرى نفسه فيقيمها لعله يصحح نفسه أو يراجعها ولكن يأبى الله لهم ذلك!.
ولعل موقفهم من قصة الإرهاب والإخوان وحزبهم ورموزهم يفضح سخافتهم ونفاقهم من قبل وبعد الانقلاب العسكري في 3 يوليو! فمعظمهم- والحق يقال- لم يشكر كثيرًا في الإخوان رغم اعترافهم بدور الإخوان في إنجاح ثورة يناير بالدفاع عن ميدان التحرير في موقعة الجمل! إلا أنهم كانوا دائمي التشكيك في قدراتهم وكفاءتهم بل وإخلاصهم تشويهًا لصورتهم ولإبعاد الجماهير عنهم وتقليل شعبيتهم، لكن لم يتهمهم أحد قبل الانقلاب بالإرهاب!, فما الذي حدث وجعل تاريخ الإخوان كله إرهاب وكل رموزهم إرهابيون فجأة؟ وهل يمكن أن نحترم هؤلاء الذين تبدلت آراؤهم بمجرد تغييب الإخوان والانقلاب على شرعيتهم التي حصلوا عليها في انتخابات نزيهة أشرف عليها قادة الانقلاب العسكري أنفسهم ردًّا على من تغابى واتهم الإخوان بالقفز على ثورة يناير وسرقتها!.. ولماذا لم يمارس الإخوان إرهابهم وهم في السلطة وقد واتتهم الفرصة؟!, لماذا يتهم دائمًا الإخوان بالإرهاب عندما يتم إقصاؤهم ومطاردتهم؟ لماذا يتم اتهامهم عندما يتم حصارهم إعلاميًّا ويتولى طرف واحد الحديث عنهم دون حق الرد؛ مما يفقد كلامهم لأي مصداقية ولن يستمع لهم إلا من يريد أن يسمع؟!..
كيف يتهم الإخوان بالإرهاب ويتم القبض على المتهمين فإذا بهم علماء ومسئولين كبار وأساتذة وأطباء ومهندسين ومعلمين ورجال أعمال وطلاب متميزين لا سابقة واحدة لأحد منهم!! وهنا أشهد الله أني منذ ارتبطت بهذه الجماعة منذ أكثر من 33 عامًا لم أسمع عنفًا في اللفظ فضلاً عن الأداء ولم ندرس أو ندرس منهجًا يحض على العنف أو يمجد استعمال القوة في الدعوة والممارسة السياسية ونتاج ذلك هو حالة الاستقرار التي تنعم بها مصر اللهم إلا بعض ممارسات عنف الدولة الموجه لبعض الجماعات الإسلامية التي ردت على العنف بعنف ثم بعد سنوات راجعت نفسها وسلكت طريق الإخوان مما ساعد على دمج كل الجماعات الإسلامية في الحياة السياسية بعد ثورة 25 يناير وهو ما أسقط كل مبررات استعمال العنف ضدهم!.
هل الداخلية جادة في محاربة الإرهاب؟ أشهد الله أننا حاولنا كثيرًا في البرلمان شد أزرهم وتهيئة المناخ وتسهيل الإجراءات وتقديم كافة أنواع العون للوزارة بشكل مركزي وفي المحافظات بشكل غير مركزي لكنهم أبوا العمل ضد الفوضى الضاربة في البلاد طولاً وعرضًا!, رفضوا التعامل مع البلطجية المعلومين لديهم بل وطابورهم الخامس! لذا كل من اضطروا للقبض عليهم متلبسين أخرجوهم من القضايا بتحريات المباحث التي تجعل التهم مشاعًا دون تحديد متهمين!.. أقسم بالله أنهم طالبوا بفرض الطوارئ كحل وحيد للعودة للعمل مرة أخرى ولم يستجب الرئيس مرسي لذلك! لكن اتضحت الصورة بشكل لا يقبل الشك وقد كنا نحسن الظن بشكل مبالغ فيه لأننا كنا نراهن على وطنية وانتماء وخلق البعض من رجال الداخلية أو على الأقل انتصارًا لحالهم وتخفيفًا من ضغوط الإذلال والمهانة التي كانوا يعاملون بها طوال عهد المخلوع، وفرصة للعودة لعمل شرطي مشرف يهدف للحفاظ على أمن الوطن والمواطن بشكل أساسي! لكننا كنا واهمين! لقد تأكدنا أن العقيدة الأمنية التي تربت عليها أركان الدولة المصرية خلال أكثر من نصف قرن في الجيش والشرطة والقضاء والإعلام قائمة على استعداء الإسلاميين والعمل ضدهم وعندما صار منهم الرئيس فشلوا في أداء مهمتهم الرئيسية التي مارسوها لعشرات السنين ودليل ذلك أن حقيقة الواقع في مصر هو غياب العنف والإرهاب الذي يروجون له فجأة بعد الانقلاب الدموي! لذلك يتم استعمال كتائب البلطجية لإحداث شغب وعنف وتعدٍّ على ممتلكات الدولة كما حدث في مباني المحافظات مثل: (الجيزة والبحيرة) أو كنائس كما حدث في المنيا واعترف بذلك القساوسة بل والداخلية نفسها! وعند هذا الحد بدأت الأركان الأربعة تعود إلى العمل بجد ونشاط في التلفيق والتعدي والكذب والخروج على القانون عقب الانقلاب العسكري الدموي في 3 يوليو 2013 م.
ويخشى الفترة القادمة استحداث مظاهر عنف على أيدي البلطجية برعاية الداخلية من حرق أو تفجير هنا وهناك لتبرير القبضة الأمنية وتصفية الخصوم حتى لو وصل الأمر لفتنة طائفية أو حرب أهلية فالمهم الآن لدى الانقلابيين هو الاستمرار فلقد صار نجاح الانقلاب بالنسبة لهم حياة أو موت!!.
الوضع الآن أن هناك مطاردة للكرام وتكريما للئام! هناك حبس وسجن لمن صان وحماية واستعلاء لمن خان، لذا لن نجامل أحدًا إذا اعتبرنا أن كل من شارك في تولي أي مسئولية أو منصب بعد الانقلاب العسكري الدموي الذي صنع هيكلاً مدنيًّا من رئاسة وحكومة وتوابع أخرى، هو مجرم وقاتل لأنه قبل تولي مسئوليته على حساب إقصاء الشرعية بقوة السلاح ثم جلس على دماء المصريين الأبرياء الذين رفضوا الانقلاب! مهما كانت الأسماء أو الشهادات أو التاريخ الذي يملكونه بما فيهم ما يسمى لجنة العشرة ولجنة الخمسين والمجالس العليا للصحافة وحقوق الإنسان وغيرهما وعلى الشرفاء الذين يرصدون هذا التغيير تسجيل أسماء هؤلاء وكتاباتهم ومواقفهم للتاريخ الذي سيضعهم في قائمة سوداء لمن استحل مكانًا لا يستحقه أو قبل منصبًا ملطخًا بدماء الأبرياء الرافضين للانقلاب على الشرعية!!.
لا أتصور حجم التحول الذي طال رجالاً في القضاء والإعلام والشرطة بعد الانقلاب ليصبحوا وحوشًا لا قلب لهم ولا خلق عندهم ولا كرامة لديهم وهم يعلمون أن الظلم والعنف والكذب لا يمكن أن يقيم دولة، وأن الشعب المصري الذي ذاق طعم الحرية وكسر حاجز الخوف لن يمكن هؤلاء من الاستمتاع بغنيمتهم بأي حال من الأحوال! وإن دل ذلك دل على قصر النظر وعلى فساد الفطرة لدى هؤلاء الانقلابيين ومن تبعهم!, لأننا فتحنا أبواب التوبة المجتمعية لكل هؤلاء والذي يمنحهم حاضرًا مستقرًا وقبولاً لدى الشعب المصري ومستقبلاً مطمئنًا لكنهم أبوا ذلك وفضلوا سلطان المنصب والقوة لا سلطان العدل والحب!, فضلوا حال الاستعلاء عن حال التواضع والأمن الحقيقي!, فضلوا المكسب السريع الحرام الملوث بانتهاك شرف وحقوق ودماء البسطاء عن قول الحق والرزق الحلال وإقامة العدل بين الناس!.
أقول إن الإرهاب الحقيقي هو ما يفتعله قادة الانقلاب على أرض مصر من سيناء حتى مطروح ومن دمياط حتى حلايب وشلاتين من أحداث عنف ساذجة ضحاياها للأسف مصريين أبرياء أيًّا كان انتماؤهم من قوات جيش أو شرطة أو شعب! ولأن الانقلابيين فقدوا مصداقيتهم أمام شعب مصر والعالم كله نتيجة الكذب المتواصل والإنكار الغبي وتفاهة المتصدرين للمشهد ليدافعوا عن الانقلاب ومآسيه فهم لا يجدون مخرجًا سوى التحرك للأمام مما يورطهم في مزيد من الدماء والتصرفات الغبية ويهددون بدخول مصر في فتن مظلمة أو حربًا أهلية يرعاها هو ومن تبقى معهم من المؤيدين والمفوضين وقد تناقص عددهم بشكل ملحوظ وكثيرين منهم انضموا إلى مؤيدي الشرعية ودليل ذلك أنه رغم سطوته على كثير من الهيئات التي حشدت له من قبل لا يستطيع اليوم الدعوة للحشد الذي بنى عليه انقلابه! بل يغلق ميادين مصر أمام الرافضين له حتى لا يفتضح أمره! ودليل الغباء والإنكار هو التهوين من أمر التظاهرات التي تغمر شوارع مصر على كل المستويات الإعلامية والسياسية أو حتى للأسف الأكاديمية! ورغم ذلك فإن هؤلاء الأغبياء ينسبون التدهور الاقتصادي والانهيار المالي وسوء الأحوال المعيشية إلى نفس هذه التظاهرات! فمن نصدق؟ هذا رغم أن الرئيس مرسي أكمل عامه وسط عشرات المليونيات ومئات الإضرابات وآلاف الاعتصامات مع الحرق لقصر الرئاسة وفنادق السياحة وقطع الطرق وغلق المؤسسات وسط تخاذل أمني واضح اعترف به وزير داخلية الانقلاب الدموي! ومع ذلك حقق تقدمًا في وضع مصر على القوائم الدولية وزادت نسب التصدير والسياحة وتحويلات المصريين في الخارج وحجم الادخار المحلي والاحتياطي الدولاري!, لكنها حجة الفاشلين الكاذبين الدمويين ولن يفلحوا أبدًا!.
النقطة الأخيرة التي أود لفت النظر إليها وهي أسلوب القوات المسلحة في مكافحة الإرهاب المزعوم في سيناء فلقد تضاربت المعلومات والتصريحات منذ قتل الطائرة الإسرائيلية 4 من أبناء سيناء ثم اعتراف المتحدث العسكري بأنها طائرة مصرية أباتشي (لا تملك القدرة على قتل الأفراد دون المركبة كما حدث), ثم اكتشفنا في تصريحه أن هؤلاء الأربعة هم من قتلوا الجنود المصريين في رفح في بداية تولي مرسي ولايته رغم الاتهامات السابقة للرئيس وحماس وغيرهم!!! وذلك لردم الحقيقة في هذه القضية الخطيرة وغلق باب الحديث عنها بعد الانقلاب على الشرعية!, ثم أن تكرار مطاردة جماعات الإرهاب بالطائرات هو أمر عجيب لم نسمع عنه إلا في ليبيا وسوريا عندما قتل الحكام شعوبهم بالطائرات!, فلماذا على أرض مصر نستعمل الطائرات كما تستعمله أمريكا والكيان الصهيوني في مطاردة الإرهابيين في اليمن وسيناء!؟.. أنتم تملكون الأرض والتحريات ويمكن بالتعاون مع شيوخ القبائل أن تنجزوا مهمتكم دون اللجوء لقصف الطائرات!!, لكن عندما رأيت طائرات الهليكوبتر تقصف المتظاهرين السلميين بالرصاص والقنابل المسيلة للدموع في مشهد فض رابعة الصمود داخل شوارع القاهرة زال عجبي وزادت حسرتي وخوفي على مستقبل مصر في ظل هذا الانقلاب العسكري الدموي!.
أعتقد أن الخروج من مأزق مطاردة الشرفاء الذين يرفضون الانقلاب والذي تزداد مساحته يوماً بعد يوم هو في يد الشرفاء من القضاة الصامتين حتى اليوم!, فالبلاغات كلها كاذبة لأنها لا تحمل دليلاً وحيدًا والخصم فيها هو الحكم بتحريات لا تحمل أي مصداقية والمتهمون لهم تاريخهم وسمعتهم ويمكن إثبات ذلك في وقت وجيز لا يستحق هذا التعسف في التمديد لهم بشكل روتيني وحرمانهم من حقوقهم في التظلم واستقبال محاميهم وأهليهم، لكن لا موقف من الجمعيات العمومية للهيئات القضائية ولا النوادي التي تسعى لاستقلال حقيقي للقضاء!.. للأسف عندما انبرى بعض قضاة الاستقلال اتخاذ موقف لمناصرة الشرعية التي هي أصل عمل القاضي احترامًا للدستور والقانون، حاصروهم وحاسبوهم ومنعوهم من السفر ويريدون تطهير القضاء منهم!!..
لم نسمع أحدًا من شرفاء القضاة الصامتين موقفًا لنصرة أصحابهم الذين كانوا أكثر منهم جرأة وصلابة في قول الحق! ألا يدركون أنهم لن يسلموا من التنكيل لو لم ينتفضوا نصرة للحق والشرعية؟ ألا يفهمون أنهم سيزدادون ضعفًا ولن يستطيعوا التحدث حتى في حقوقهم المادية التي يخشون عليها الآن ولو ثاروا عندئذٍ لصارت فضيحة لقضاة أكل العيش!, هو ما سيزيد من فرص الإساءة للقضاء الذي يستعمل الآن من قبل الانقلابيين الدمويين!.. انتفضوا أيها القضاة يرحمكم الله مصر تحتاج إليكم اليوم لا غدًا!, وحسبنا الله ونعم الوكيل.
* نائب في البرلمان المصري
د.جمال حشمت
الإرهاب الحقيقي في ظل الانقلاب الدموي! 1111