تُبنَى الدول وتُقر الدساتير والقوانين وتُوضع الخطط والبرامج وتنفق الموازنات بالمليارات كل هذا وغيره من أجل شيء واحد فقط هو هذا الإنسان، هذا هو الهدف الحقيقي والمنطقي لكل هذه الأشياء ابتداء وبدون الوصول إلى رفاهية و سعادة هذا الإنسان فكل ما سبق ليس له قيمة.
الإنسان هو خليفة الله في أرضه ومن أجله سخر الله له ما في هذا الكون من أرض وسماء وبحر وكل ما في باطن هذه الأرض حتى يحقق المراد من خلقه، وعلى هذا الأساس قدس الله هذا الإنسان وجعل المساس به أو قتله من أكبر الكبائر ومن موجبات الخلود في الجحيم.
من يرى الواقع العربي يجد الأنظمة والحكومات تسير عكس هذا الطريق وضد هذا الاتجاه تماماً، حتى صار الإنسان بلا قيمة وصارت حياته أرخص من أي شيء وصارت أخبار مثل (قتلى وجرحى) تطرق مسامعنا كل يوم هنا وهناك في اكثر من قطر عربي، المضحك المبكي حتى في الدول العربية التي ليس فيها حروب أو صراعات تسمع كل يوم مثل هذه الأخبار، ويكفي أن يراجع المراقب إحصاءات وفيات المرور ليرى بنفسه الفاجعة التي تصدمنا كل يوم.
متى تقدس دولنا وحكوماتنا هذا الإنسان؟، متى تقدس حريته وكرامته؟, أليس الهدف من الدول والحكومات ومن خططها وموازناتها رفاهية وسعادة هذا الإنسان؟، متى تصبح لدينا حرية وكرامة الإنسان احدى مقدسات الحياة؟، متى يصير الإنسان هو الهدف من التنمية والهدف الرئيس للارتقاء في سلم الحضارة؟, ألم يجعل الإسلام هدم الكعبة أهون عند الله من إراقة دم المسلم؟, ألم يقل عمر بن الخطاب عندما وصله من عامله في صنعاء إن ثمانية اشتركوا في قتل إنسان (والله لو أن أهل صنعاء اجتمعوا عليه فقتلوه لقتلتهم به)؟!.
المتتبع لحالنا اليوم يجد عكس هذا الخطاب وعكس هذا التصور، وصار الحال أن الإنسان وسلبه حريته وكرامته وإراقة دمه أهون الأمور عند دولنا وحكوماتنا الرشيدة, ألم تقتل جيوشنا الإنسان الذي بذل من عرق جبينه ومن قوت يومه حتى يبني هذه الجيوش، ثم هي تقتله بدم بارد حتى الوفاء والمروءة الذي لم يتركه العرب غادر هذه الجيوش وهذه الحكومات.
ما يحدث اليوم في سوريا وأمس في مصر وليبيا يعود بنا إلى عصور الانحطاط، والذي لا يدع مجالاً للشك أننا ما زلنا في رحلة البحث عن هذه الدولة المنشودة، الدولة التي تقدس هذا الإنسان، الدولة التي تعلي وتحافظ على حرية وكرامة الإنسان، الدولة التي تؤمن أن اهم أهدافها هو بناء وإعداد هذا الإنسان الركيزة الأولى في البناء والنهضة والحضارة.
في بلدان عربية كثيرة تلاحقنا نفس القصة المأساوية كالعراق مثلاً، انتهت الحرب وانتهى الاحتلال ومع هذا كل يوم نسمع في الأخبار عن 60 أو 80 أو 100 شخص قتلوا بكل هذه السهولة، ما معنى دولة وما قيمتها وما هو دور الجيش الذي ينفق عليه من أموال الشعب؟.. في يمننا الحبيب أيضاً ولكن بطريقة أخرى كل يوم قتلى وجرحى سواء عن طريق اغتيالات أو حوادث سير أو ثارات أو غيرها من الطرق التي تؤدي كلها إلى معنى اللا دولة وأن لا كرامة ولا قيمة لحياة هذا الإنسان.
منذ ثورات القرن الماضي والشعوب العربية مازالت تناضل وتكافح وتقاوم من اجل حرية وكرامة الإنسان، لكن هذا الجولة أشد إيلاماً واعتى جبروتا ليست ضد مستعمر ولكن ضد أناس من أبناء جلدتنا خانوا الأمانة واغتالوا قدسية الإنسان.
قد يطول هذا النضال وقد تستمر هذه المعركة فترة أطول ولن يستسلم هؤلاء بهذه السهولة أو بدون مقاومه، لكن عندما نصل إلى هذه المرحلة وقتها نضع أقدامنا على مرحلة جديده، مرحلة نصل فيها إلى دول تحترم أمام العالم، دول لها مكانتها ووزنها بين الأمم، دول لها رأيها وكلمتها في المحافل الدولية، وقتها نصل إلى الدولة المنشودة، دولة شعارها الإنسان لا أكثر.
خالد اليافعي
دولة الإنسان! 1188