مُؤتمر الحوار ليس "إلـهًا" يُعبدْ ومخرجاته ليسَت آيات مُقدَّسه لا يجوزُ المساس بِها أو مناقشتها أو الخروجُ عليها, ما مخرجاته إلا آراء بَشرية تَحتملُ الخطأ قبلَ الصواب بَل وفي تَصوري أنهُ مِن خلال الاستماع لِجملة إفرازات الحوار وَجدُّت أنَّ خطأ مخرجاته أقربُ مِنْ صوابها, وبذلكَ يُمكنُ القول إنَّ ما توافق مِن مخرجاته مع الثوابت الوطنية وثقافتنا الاجتماعية أخذنا به وما تعارض معهُما رددناه فليسَ بمُلزِمٍ لنا شرعاً وقانوناً..!
نعم.. لا خطوط حمراء في الحِوار ولكن أيضاً لا قُدسيَّة ولا عِصمة لمُخرجاته وليسَ الشعب اليمني مُلزمٌ بها إذا كانت ضِدَّ مصالحهِ العليا, الشَّعبُ وحده - وبالطُرق المشروعة المتعارف عليها في العالم بأسره - من يـُقرر مـا لـه وما عليه ما يناسبه وما لا يناسبه وليسَ "الموفنبيك" ورعاة "الموفنبيك" وعلينا أن نُقرر أنَّ مشروعية الحوار مُستمدَّه مِن المُبادرة الخليجية وهيَ مشروعية مُحدَّده بِحسب معطياتها مِن حيث زمنها والهدف منها مُرتكزةً في وجودها القانوني على طبيعة موضوعاتها المشروطة أصلاً "بعدم المساس بالوحدة" وأنَّ الحوار سَيكون تَحتَ سقفها, الأمر الذي يُمكن معه القول إنَّ أي مُخرج مِن مُخرجات الحوار يتعارض مع مشروعية الحوار وأدبياته ومصالح الوطن العُليا سيكون "مرفوضا" وغيرَ مقبول اجتماعياً وَوطنياً جُملةً وتفصيلاً, ومِن الثوابت الوطنية التي لا يُمكن أن يتسامح معها الشعب في حال التفريط فيها أو المُساومة عليها هي "الوحدة" وما الغَمز والَّلمز الانفصالي الوارد في "وثيقة السِّت عشرية" المشؤومة إلا مشروع خارطة انفصال قَبيح يتعارض بالكُليةِ مع مصالح اليمن العُليا..
وَشخصياً أعتبرها تعَدياً سافراً على الشَّعب اليَمني ووحدتهِ العظيمة, ولستُ أدري أيُّ قلوبٍ تلكَ التي صاغت تِلك الوثيقة وأيُّ عقولٍ تلكَ التي فكَّرت مُجرَّد التفكير ببِنودها "القاتلة" لِأجمل معنىً لليمنِ في التاريخ؟ ألمْ يُشعرهم أحد أنَّ الوحدة ليسَت تَحتَ تَصرُّفَ الموفنبيك وأنها ثابت وَطنيٌ مُقدَّس بِحجمِ اليَمنْ ولا يُمكنْ لِـ أماكن العالم أنْ تحتويها وتدخلها تحتَ قبتها!! ولكنْ يجبُ القول إنَّ مُجرد إقرار الحوار "لمَجموعة الست عشرية" مناصفة بينَ شماليينَ وجنوبيين كان البداية الحقيقةَ لِلوثيقة المشؤومة وأن هذه المجموعة الانفصالية في تكوينها كانت أيضاً بداية خَرقٍ لوظِيفة الحوار وحُدوده ومشروعيته وما كان ينبغي عَلى المتحاورين السكُوت على هذا الخَرق الفاضح الذي يكادُ أنْ يُخرج الحوار عَن مشروعيته الوطنية والقانونية ويُدخل اليمن في أتُّون صراع لطاما عاشته في مراحل تاريخية سابقة وذاقت مرارته ومازالت تُعاني آثاره إلى اليوم..! وما الحوار ـ في أصل تكوينه ـ إلا فِكرةً لإخراج اليمن مِن جراحات ماضيه وَتحقيقْ طموحات حاضره عَقب ثورةٍ كانت وما زالت تنشدُ التغيير الاجتماعي والسياسي لا الانفصال والعودة للوراء بِكُل مآسيهْ..! وما وثيقة "الست عشرية" المشؤومة إلا قَتل للثورة وقتل لإرادة التغيير..
غَير أن الغريب في هذا كُله هو موقف الرئيس هادي من هذه الوثيقة.. ما الذي جرى له؟ لقد انتخبناه وعلَّقنا عليه آمالنا ونشدنا فيه "روح التغيير" واستأمناه على الوحدة وها هو اليوم ـ في موقفٍ كَئيبٍ له ـ يَتبنَّى وثيقة "الانفصال السِّت عشرية" ويُصِّر على توقيع كُل الأطراف السياسية عليها..!
وعلى النقيض مِن ذلك ـ وهوَ محلُّ استغراب ـ أنَّ المُؤتمر الشعبي العام يرفُض رؤى "الست عشرية" ويُصِّرُ على الوحدة وأنَّهُ لا يُمكن أنْ يُفرطَ بها..! وهذا يُذكرني بموقفْ زعيمِ المؤتمر ومقولته الشَّهيرة "الوحدة أو الموت".. نعم الوحدة أو المـوتْ.. كُنت أتمنَّى أيضاً أن أسمعها من الرئيس هادي.. فَهو موقفٌ تبناه "المؤتمر الشعبي العام" فلماذا يشُّذ الرئيـس عنهُمْ وَهو منهُم..؟!
ماذا جرى للرئيس؟ ألم يقرأ "وثيقة الست عشرية" ويَشتمُّ منها رائحة الانفصال أم أنَّهُ مرشدها أم أنَّ رفيق دربه "محمد على أحمد" فوق الوحدة وأنَّ رضاه فوق رِضا الوالدين والشَّطرين؟! ماذا جرى لك؟! ألم يحن الوقت للتخلُّص مِن الماضي ومِن شرنقة الزُّمرة وتَنضمُّ إلى رحاب اليمن؟! يا رجُل.. ارفع رأسَك قليلاً, الشمسُ ما زالت تُشرقُ على كُلِّ الوطنْ وإن بَدتْ فِيْ بعضِ أيامها مَظلمهْ.. قُـل للرَّفيق: اليمن أكبر مِن اتفاقية "سايكس بيكو" ومن الجمعية العمومية البريطانية وسفيرها ومِن مآسي الزَّمن..أيُّها الرئيس إلى أين بالضبط تُريد أن تقودنا؟
ومهما تكُن إجابتك.. فَالمؤكَّد العقلي الوَحيـد أنَّ استمرارك في تَبني "الست عشرية" وآرائهم القُرمزية سيقودنا إلى جهَنَّمْ بينَ عشيةٍ أو ضحاها..!
د/ عبدالله الحاضري
أيها الرَئيس.. إلى أينْ..؟! 1816