إن حالة المخاض الشعبي للأمة في حراك التغيير الراهن، يمهد لحالة انبثاق الولادة الجديدة لمشروع النهوض العربي المعاصر للتغيير.
تلوح في الأفق مؤشرات ملامح ولادة مشروع النهوض العربي الصاعد، الذي يطرح نفسه بديلا تاريخيا لحالة التردي، والنكوص المعاصرة، مما يعطي دلالة واضحة على أن الأمة اليوم هي في سياق بحثها عن الذات بشكل صحيح، عندما نجحت في إزاحة الدكتاتوريات البائدة من طريقها نحو التغيير الديمقراطي المنشود، وأنها قد استنبتت في ذاتها بتلك الانتفاضات المجيدة، كل ما من شأنه أن يؤسس لحركة تاريخية سليمة، تمهد لمشروع النهوض العربي المعاصر للتغيير، رغم كل تحديات إجهاضه.
إن ما شهده الوطن العربي من انتفاضات شعبية للتغيير، قد جاء استجابة طبيعية، لتداعيات الوضع العربي المأساوي، التي أفرزها استبداد دكتاتوريات النظام السياسي العربي، ولاسيما في الأقطار التي تسعى للإصلاح، والتغيير في حكوماتها، وأنظمتها، لا حيث يعمل الشعب العربي جاهداً لتغيير الأنظمة الدكتاتورية، ويسعى لتحقيق التنمية الشاملة لتحسين الحال المنهك، وإقامة الديمقراطية، والتحرر من التبعية المزمنة للأجنبي.
يقول الكاتب العربي نايف عبوش إنه بعد أن فشلت الأنظمة الفاسدة تماماً في تحقيق التنمية، وإقامة الديمقراطية، فكان لابد للجماهير من الثورة الشعبية للخلاص، والانطلاق إلى آفاق مرحلة جديدة من التغيير في الحياة العربية، تعتمد التمييز الواضح بين مشروعية الانتفاضة على الأنظمة المستبدة، والسلاطين الجائرين، وبين رفض تهديم الكيانات الاجتماعية، وتدمير البنى الاقتصادية، والصناعية، والعسكرية..
ولعل الفوضى الخلاقة مهما كانت الشعارات البراقة التي ترفعها، حيث تظل في جوهرها آلية خبيثة لتمزيق الأوطان، وتفتيت بنية المجتمع، في أجندة تنفيذ مشروع الشرق الأوسط الجديد، خاصة وأن الغرب الاستعماري، والصهيونية العالمية، لن يتركا الشعب العربي يثور على واقعه، ويعيقان بكل الوسائل سعيه لإعادة بناء الذات، وصياغة الحال بنهج ذاتي مستقل، بسبب الحرص على تأمين مصالحهما في هذه المنطقة، وبالتالي فأنه لابد لهما من التدخل المباشر، أو بالوكالة، لعرقلة، وإجهاض ثورات الشعب العربي للتغيير، فيما اصطلح على تسميته بالربيع العربي، وتحويل مسار التغيير، ليصب في خدمة مصالحهما القومية، بدلاً من أن يصب في خدمة التحول الوطني التاريخي على الساحة العربية، فكانت استراتيجية الفوضى الخلاقة بإذكاء المحاصصة الطائفية، وتأجيج العصبية، وتفكيك بنية الدولة الوطنية، وتمزيق النسيج الاجتماعي للشعب.
إيمان سهيل
استراتيجية الفوضى الخلاقة 1274