من الذي يجب عليه الاعتذار للجنوب وهل الاعتذار حكومي فقط ؟ وهل يكفي أن نعتذر فقط عن حرب 94؟ أم أنه يتوجب على قيادة الحزب الاشتراكي أن تعتذر هي الأخرى على سنوات حكمها في الجنوب؟..
هناك ثمة خطأ فادح ارتكب في حق الجنوب وهناك ثمة جرم ارتكب في حق شعب الجنوب، والخطأ بطبيعة الحال يوجب الاعتذار, لكن الجرم يستوجب الإنصاف، فالأخطاء اذا أقر بها مرتكبوها لزمهم الاعتذار مقابل العفو, لكن الجرم لا يسقطه غير الاقتصاص الذي نعني به الإنصاف لأن فيه حقوق والحقوق لا تسقط بمجرد الاعتذار ولا تعفى إلا بإعادتها لأهلها .
والحديث عن ضرورة الاعتذار التاريخي للجنوب؛ حديث مهم وذو شجون, لكنه يثير العديد من التساؤلات، ومن الضروري جداً البحث عن إجابات لكل تساؤلاتنا الواردة بهذا الخصوص بهدف تحري الموضوعية وتحقيق الإنصاف في تعاطينا مع قضية الجنوب والحق الجنوبي بمفهوميه الجغرافي والسياسي .
ومن وجهة نظر شخصية أن الاعتذار للجنوبيين من قبل الحكومة بتلك الصورة الباهتة لا يكفي وإجمالاً نستطيع القول إن الاعتذار هو بداية الموضوعية والاعتراف بحد ذاته يمثل بداية الإنصاف في مسعانا الإصلاحي لمشروع الوحدة وطريقة إدارته.
والتساؤلات التي تحضرنا بهذا الشأن مفادها: من يعتذر ؟ ولمن الاعتذار ؟ وما الفرق بين الخطأ والجرم المرتكبة في حق الجنوب ؟ ومن الجاني؟ وما أهمية الاعتذار لطرفيه؟
وحتماً سيفضي بنا البحث عن الإجابات الدقيقة إلى معرفة أن الخطأ المرتكب في حق الجنوبيين يتمثل في القرار المغامر بالدخول في وحدة اندماجية فورية في 22مايو1990، دونما وضع معالجات استراتيجية للتناقض القائم في المعادلة السياسية للوحدة، وهنا يجدر بي أن أنبه إلى أن الخطأ ليس في الوحدة نفسها ولكن الخطأ أن يتم توحيد فوري لشعبين متناقضين من حيث الحق في الملكية الخاصة والشراكة السياسية.
فالجنوبيون كانوا محرومين من الحق في الملكية الخاصة، بفعل قرار التأميم المعلن في عام 1974، بينما إخوانهم في الشمال يتمتعون بالحق في الملكية الخاصة، أضف إلى ذلك أن عدد سكان الشمال يساوي أربعة أضعاف سكان الجنوب، وعليه فان الوحدة الاندماجية الفورية بدون معالجات استراتيجية لهذين العاملين المختلين سيؤدى إلى وحدة مختلة الموازين لا يمكن تحقق العدل فيها بأي حال من الأحوال، لأن أبناء الجنوب سيظلون فقراء وأبناء الشمال سيظلون أغنياء على الدوام بحكم اختلال الملكية الخاصة بين الجانبين، إلى جانب هذا نجد أن اختلال المعادلة السكانية ستفضي إلى إهدار حق الجنوبيين في الشراكة السياسية خصوصاً في حال احتكامنا إلى نظام انتخابي قائم على أساس التمثيل السكاني .
وعليه فان الدخول في وحدة اندماجية فورية تسودها دولة حكم مركزية بدون وضع معالجات مسبقة، كان بمثابة خطأ فادح ارتكبه السيد علي سالم البيض ورفاقه في قيادة دولة الحزب الاشتراكي اليمني في الجنوب سابقاً.
ونحن هنا لا ندعو لمحاكمة الأخطاء ومرتكبيها ولا نقصد التحريض ضد الأشخاص أو قيادات معينة بقدر ما نحاول تحري الموضوعية في تعاطينا مع قضايانا بهدف إنتاج معرفة حقيقية لا تنتمي للمشاريع السياسية العنصرية السائدة هنا وهناك.
ومن هنا يتبين لنا أن أول من يجب أن يعتذر للجنوبين هو السيد علي سالم البيض .
وإذا كان هذا هو الخطأ فما هو الجرم يا ترى في حق أبناء الجنوب؟ الجرم كما يبدو لنا يتمثل بحرب 94وماتلاها من إدارة لدولة الوحدة.
ونصف الحرب هنا بالجرم لأنها أعلنت حرب النية ضد الانفصاليين ثم تحولت إلى حرب مستمرة ضد الجنوبيين وحقوقهم المكتسبة، وهنا تكمن بشاعة الجرم ووقاحته.
فاذا كانت الحرب قد استمدت مشروعيتها من الدفاع عن الوحدة، فلماذا استمرت بعد اندحار قيادة الانفصال من عدن؛ لماذا استمرت الحرب ضد الجنوبيين وقد شارك فيها تيار كبير من الجنوبيين انفسهم ،لماذا انقلبت قيادة السابع من يوليو على دستور دولة الوحدة وتنصلت من اتفاقياتها !
فعلا لقد تحولت حرب 94، من حرب للدفاع عن الوحدة إلى حرب عنصرية تكرس مشروع الوحدة الجهوية وتصادر حقوق الجنوبيين في المواطنة المتساوية وحقهم في الملكية الخاصة خصوصا بعد أن اقدم الفريق المنتصر على التصرف بالحق العام من أراضي دولة وعقارات لصالح فريق جهوي .
ومثلما قلنا إن علي البيض ورفاقه مرتكبي الخطأ, فان مرتكب الجرم في حق الجنونيين هم: علي صالح ورفاقه ، واذا كانت قيادة عدن قد أخطأت في طريقة إعلانها للوحدة وإجراءاتها المرافقة لها, فمن باب أولى أن قيادة صنعاء قد أجرمت في إدارتها لمشروع الوحدة وانقلبت على دولته .
إذا ونحن نتحدث عن ضرورة الاعتذار للجنوب ينبغي أن نعي أن الاعتذار فقط عن الأخطاء والاعتذار لا يلغي الإنصاف وانمار هو مقدمته .
وما يستوجب فعله هنا أن يكون الاعتذار للجنوب أولاً من علي سالم البيض وثانياً يكون اعتذار من قيادة الحزب الاشتراكي اليمني وثالثاً يكون اعتذار من كل اليمنيين بصفة شعبية وصفة رسمية، والاعتذار مقابل العفو.
أما الإنصاف فانه يبدأ برد الاعتبار للشراكة السياسية من خلال المناصفة في كافة المناصب الرسمية والحزبية، ثم تعاد كافة الأراضي المنهوبة والتي تم التصرف فيها تعاد إلى حضيرة الملكية العامة ثم يتم تحويلها إلى ملكيات خاصة لأبناء الجنوب وتخصص أراضٍ للمنشآت العامة وفق سياسية رسمية تشرف عليها الحكومة وتشارك في صياغتها وتنفيذها الأحزاب والسلطات المحلية في الجنوب، وبهذا سيكون لاعتذارنا جدوى حقيقية في نفوس أبناء الجنوب وسيكون للاعتذار صدى إنساني واسع بين الأمم والشعوب.. فهل نحن فاعلون؟.
فيصل الصفواني
الاعتذار الرسمي للجنوب لا يكفي 1378