ظننت وظن غيري أن مسمى ( الحرب على الإرهاب ) التي تتخذه الدولة ذريعة وحجة لتدمير منازل ومساكن البسطاء وتشريدهم وتنكيلهم ربما تتوقف كليا بعد تلك المسرحية الهزلية التي شهدتها مدينة غيل باوزير ولاقى أهلها من ويلات الحرب ما لاقوا وأنه لن يتكرر مشهد الدمار والخراب والتنكيل فيها كما حدث في الجريحة ( أبين ) التي لا تزال حتى اللحظة تعاني من ويلات الحرب والخراب والدمار الذي لحق بها من تلك الحرب الضروس.. بل أننا تيقنا أن كل تلك الحروب هي من افتعال أناس لهم مصالح جمة تعطلت وتوقفت بعد أن بدأت الدولة اليمنية تأخذ أبعاد أخرى وتتضح فيها معالم الصلاح والخراب وباتت مسألة التغيير فيها حتمية وواقعة لا محالة, وأنهم هم من يفتعلون مثل تلك الحروب وهم من يضعون هذه المسميات التي ليس لها في الواقع أدنى وجود كي يظل الوطن على صفيح ساخن, ويدفع المواطن ضريبة تلك الحروب والنكبات والأزمات والويلات ويذوق من مرارة الحرمان والظلم والخوف ما الله به عليم..
حتى أنها حدثتنا أنفسنا الأمارة بالسوء أن تلك المسميات وتلك الحروب التي شهدنا فصولها وذاق منها أبناء الجنوب خاصة الويل والثبور أنها تبخرت وباتت في خبر كان ولن نسمع بها أو نعايشها مرة أخرى , فما ذقناه فيها يكفي لسنوات قادمة, إلا أننا تفاجئنا بتلك المصطلحات وتلك الحروب تعود إلينا من جديد وتشد رحالها صوب محافظة جنوبية أخرى , محافظة سمتها الهدوء والسكينة والسلام, ليس لأهلها في عير الإرهاب أو نفير الخراب أدنى شيء, ولا يبحثون سوى عن السكنى والسلام والعيش بأمان في محافظتهم التي لا تسمع فيها سوى أصوات البلابل والعصافير ولا تشتم فيها سوى رائحة الفل والكاذي والياسمين ولا تعرف من أهلها إلا الفطاحلة والشعراء والأدباء والفنانين الذين يجدون في أوتار العود غايتهم وفي صفحات الدفتر ضالتهم..
لحج.. بدأت فيها حكاية الحرب على الإرهاب امتداداً لتلك الحرب التي شهدتها محافظتي أبين وحضرموت والتي راح ضحيتها الكثير بين قتيل وجريح وأهلكت الحرث والنسل ودمرت كل شيء جميل فيها دون أن تصل لغاية أو هدف أو تحقق نتائج تذكر غير دك المنازل وتشريد المواطنين وتحويل تلك المدن إلى مدن أشباح وخوف ووجل..
في لحج ربما ستسمر حكاية الحرب على الإرهاب المفتعل والذي وجد لإقلاق المواطنين وإرعابهم وإخافتهم وتشريدهم وتنكيلهم ثم ليضل الوطن على صفيح ساخن ومتقد ونيران مستعرة لا يطفئ لهبها شيء أو يخفف من حدتها أحد, ولتخدم تلك الأطراف المتنازعة على كرسي السيادة والفخامة والمعالي وتحقق غايتهم الدنيئة التي لا تتجاوز الدرهم والدينار والريال الهزيل..
نحن لسنا ضد أن ينقى الوطن من أولئك المخربين الذين للأسف أنتجتهم السياسة وتبنتهم الأيادي (الطولي ) ليكون ورقة ضغطة على أطراف سياسية أخرى محلية ودولية ولكن نحن ضد أن تحول تلك المدن إلى ساحة نزاعات وتصفية حسابات وتبيد فيها آلة الحرب الأخضر واليابس وتحيل الحياة فيها إلى جحيم, وتنكل البسطاء وتشردهم وتدك منازلهم وتعطل مصالحهم ثم تولي الأدبار ليندب المواطن على تلك الأطلال وهو ينتظر ذلك الفتات الذي لا يأتي إلا بشق الأنفس..
نحن ضد أن يكون المواطن البسيط البريء ومنزله المتهالك الرث هدف لكل العمليات القتالية التي تدور رحالها في مدينته أو محافظته أو حتى قريته ,فإن كان القتال والإحتراب شيء ضروري وحتمي, فليستثني منه المواطن حفاظاً على سلامته وليكون ضد من قام من أجله وأعدت له العدة وحشدت له الألوف المؤلفة..
فهد علي البرشاء
لحج .. وتستمر الحكاية !! 1205