الحمد لله القائل "الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا", والصلاة والسلام على خير خلق الله محمد صلى الله عليه وسلم القائل:" كفى بالموت واعظاً", فالموت نهاية كل حي وهو الشيء الذي يتساوى فيه كل البشر، لا يفرق بين غني وفقير، ولا بين صغير وكبير، ولا بين أمير وغفير.. فلا إله إلا الله الحي الدائم الذي لا يموت أبداً "كل شيء هلك إلا وجهه".
والموت يتخطف أحبابنا من حولنا ولا نستطيع أن نعمل لهم شيئاً, لأنه سيف الله الذي لا مرد له، نحزن وندمع ونتألم، ونحن مدركون أننا لاحقون بهم عن قريب، ولا يسعنا في كل الأحوال إلا أن نقول "إنا لله وإنا وإليه راجعون".
في مساء الأحد, وفي تمام الساعة العاشرة, تلقيت مكالمة تلفونية من الأخ الأستاذ/ نبيل شمسان, وزير الخدمة المدنية، وأول ما فتحت التلفون سمعته يقول لي بصوت حزين "البقية في حياتك"، أذهلتني الكلمة، ورديت بسرعة وبارتباك: بمن؟, فقال: بالأخ منور المسني، أصابني الذهول وهذا حال موت الفجأة، فالأخ منور كان بكامل صحته ويعمل مديراً عاماً لمكتب المالية بمحافظة ريمة، وقد تواصلت معه اليوم الأول ولم يكن يشكو من أي مرض أو ألم, وكانت وفاته فجأة مساء ذلك اليوم.
تربطني بالأخ منور علاقة أخوة منذ أيام الدراسة بجامعة قطر، استمرت علاقة إخاء صادقة لم تتلوث بأي مصالح، فهذا الرجل, رحمه الله, يتصف بالصراحة الشديدة، والمواجهة والصدق، والوفاء النادر، ورغم أن عمله في المالية تدرج في عدة مناصب، إلى أن شغل منصب مدير الوحدة الحسابية بمحافظة تعز، ثم مدير الشؤون المالية بهيئة مستشفى الثورة لتعز, إلى أن عين مديراً لمكتب المالية بريمة، إلا أنه كان زاهداً مترفعاً لا يغريه المال، ولا يضع نفسه إلا في مواضع الشرف مهما كانت ظروفه، الوفاء الذي يتصف به نادر دون حساب للمصالح في هذا الزمن الذي يحسب البعض الوفاء بقدر المصلحة والعائد.. يدافع عن صديقه في غيبته حتى أمام من يجاملهم الآخرون رغبة في عطائهم أو خوفاً من ضررهم، يحب ولا يكره، رغم أنه لا يعرف المجاملة والتملق أبداً.
كان اتصال الأخ/ نبيل شمسان بي لمعرفته بمدى العلاقة الأخوية التي تربطني بأخي منور.. ومهما أتحدث عن أخي وشقيق روحي منور المسني فلن أوفيه حقه، فقد كان رجلاً حقاً.
أخي منور المسني ودعتنا دون سابق إنذار، وتركت في نفسي ألماً وأشعر أني فقدت جزءاً من فؤادي، وإن العين لتدمع والقلب ليحزن، وإنا على فراقك لمحزونون, ولا نقول إلا ما يرضي ربنا "إنا لله وإنا إليه راجعون".. فقدناك أخاً حبيباً خطفك الموت عنى ليلحقك بأحبة لنا سبقوك من قبل.
وأرثيك بالبيت التالية من أشعار خالك الشاعر الوطني الكبير عبدالله عبدالوهاب نعمان "الفضول" التي أرثى بها أحد أحبته، وعازاني بها المرحوم الشيخ/ عبدالرحمن احمد محمد نعمان رثاءً لوالدي عند وفاته، والتي تقول:
أيها الأحباب من تحت الثرى .. هاكم اليوم حبيبا آخرا.
وسنأتيكم تباعاً بعده .. أنجد الدهر بنا أو أصحرا.
اللهم إنا نسألك أن تغفر له وترحمه وتتجاوز عن سيئاته، وتسكنه فسيح جناتك، وتجمعنا به في عليين مع الذين أنعمت عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا, فإنك غني عن عذابنا يا رب العالمين.. اللهم آمين.