المؤتمر الشعبي العام كان ومازال أحد اللاعبين الأساسين في الساحة اليمنية, ولكنها تميزت مراحله الأخيرة بمعضلة تفويت الفرص والتي مثل تفويتها خسارة للمؤتمر وللحياة السياسية وفي أحيان كثيره للوطن بشكل عام.. واليوم يقف المؤتمر أمام فرصة تاريخية سنذكرها بعد أن نلخص أهم الفرص الضائعة منذ عام 1990 إلى اليوم, ومنها:ـ
* المؤتمر الشعبي العام ممثلاً برئيسه صالح عندما اتفق مع الحزب الاشتراكي والبيض على اتفاقية الوحدة فوتوا على أنفسهم الشراكة المجتمعية في صنع الاتفاقية والدستور, ولذلك كانتا مثاراً للجدل السياسي والمناطقي فيما بعد, حتى إن الدستور تعدل أكثر من مرة, واتفاقية الوحدة أصبحت اليوم مشكلة بسبب سوء إدارة الطرفين لكيفية إخراج الاتفاق.
* كما أن المؤتمر والرئيس السابق صالح ضيعا فرصة تثبيت الوحدة والنظام والقانون والشراكة الوطنية بعد أحداث 1994 وتجاهلوا كل النداءات من شريكهم الإصلاح آنذاك والقوى السياسية الأخرى بإجراء إصلاحات شاملة في البلد وعمدوا إلى إقصاء خصومهم من الجنوبيين وغيرهم واستباحة الأراضي والوظيفة العامة وإعمال القبضة الأمنية في الجنوب ومحاولة تفتيت القوى السياسية وشراء الولاءات وبدلاً من ترسيخ دولة نظام وقانون وعدالة اجتماعية كانت الإجراءات الآنفة الذكر كفيلة بتحطيم الروح الوحدوية العالية لدى قطاع واسع من الجنوبيين لحساب شلة من المرتزقة وأصحاب المصالح الذين تهافتوا للانضمام للمؤتمر.
* أما الفرصة الثالثة فكانت فرصتين, الأولى في 97 والثانية في 203, وفيهما المؤتمر سار نحو التفرد بالحياة السياسية بشتى الوسائل المشروعة وغير المشروعة واستخدم إمكانيات الدولة ترهيباً وترغيباً وأسس لديمقراطية مشوهة تصنع الأغلبية بلا أغلبية وصادر تماماً الحياة السياسية وكان الأحرى التأسيس لعمل ديمقراطي ولسلطة تساهم في لئم جروح الماضي (الشراكة), وأدى تضييع هذه الفرصة لظهور المشترك للحفاظ على ما تبقى من هامش أمام الرغبة الجامحة لدفنه, وأدى أيضاً لظهور النزعات الانفصالية والمناطقة, وبهذا أدخل البلد في دوامة من المشاكل والاحتقان السياسي والمجتمعي لا زلنا نعاني منه إلى اليوم, بل أسس لمرحلة الطموح ببناء دولة عند الحراك والحوثة ولترسخ قناعات عند بقية القوى بعدم جدوى التعايش مع النظام.
* كما أن تشبث الرئيس السابق والقوى التابعة له داخل المؤتمر برفض مقررات الحوارات مع الأحزاب الوطنية والتي قادها الدكتور الإرياني ورفض تقديم أي تنازل لصالح العملية الديمقراطية والإصلاح السياسي والاقتصادي, كان بمثابة القشة التي قسمت ظهر البعير ولم يأت بعدها سوى الهبة الشعبية ومن ثم الثورة الشعبية الشبابية والتي استطاعت أن تقصي العائلة, ولو أن الحزب آنذاك اتخذ قراراً شجاعاً وأخذوا بيد الرئيس السابق من أجل إصلاحات كان اتفق عليها الجميع لحافظ المؤتمر على تماسكه وعلى مكتسباته وعلى كثير من جماهيرية, لكن غلبة رأي الفرد دفعهم لخسارة كبيرة.
* وأخيراً اليوم واليمن يمر بمرحلة حرجة وتاريخية لا تقبل إلا الانحياز لصالح الوطن والتوافق سواء في مخرجات الحوار الوطني والضمانات لتنفيذها أو برسم سياسة الحزب للمرحلة القادمة أياً كانت انتخابات أو مرحلة انتقالية توافقية, فأمام المؤتمر خياران: المضي مع سياسة صالح ورفاقه بجر الحزب في تحالفات مشبوهة مع أصحاب المشاريع الصغيرة والغير سلمية لمحاولة الانقضاض على المبادرة الخليجية ومحاولة إقصاء الرئيس هادي وقطاع عريض من قيادات المؤتمر من حسابات المرحلة القادمة, لا بل وحتى استدراج دول إقليمية من أجل تحديد مصير البلد والعملية السياسية؛ أو التعاون من أجل إنجاح الحوار والاتفاق على رؤية موحدة ترضي الأطراف المختلفة للمرحلة القادمة وينحاز قرار المؤتمر نحو الشراكة والاستقرار والاختيار الثاني حتما سيجنب المؤتمر المزيد من التشظي وستقيه الغضب التحلل الجماهيري, وستسهم في الدفع بالعملية السياسية والإصلاحية في البلد نحو الأمام.
ونتساءل: هل سيكرر المؤتمر تفويت الفرصة أم أنه سيختار الطريق الأمثل لاستغلالها؟.
فؤاد الفقيه
المؤتمر ومعضلة الفرص الضائعة 1285