كانت هُنا رابعة....
بداية المشهد:
خرجت القوى السياسية في مصر وعرضت برامجها على الشعب في ديمقراطية ناشئة ،غابت عن مصر سبعة آلاف سنة ،انتخبت الناس من انتخبت ،وتمخضت العملية السياسية بمولودٍ شرعي اسمه (الإخوان المسلمون).
فاز الإخوان بمجلس الشعب ،لكن الحكومة تشكلت من غيرهم ،وتكفّل القضاء بحلّ هذا المجلس ،عادت القوى السياسية لمشهد الانتخابات مرة أخرى ،فتنافس الجميع على كرسي الرئاسة (فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ)
فاز "مرسي" ومن يومها لم يهدأ للآخر بال ،أقال مرسي المجلس العسكري الذي تقلد الحكم بعد رحيل " مبارك " وجاء بـ الــ CC وزيراً للدفاع ،خرج الناس يهتفون ضد "مرسي" في مؤامرة اجتمع لها الداخل والخارج ،لم تعد الصورة مجرد احتجاجات لأخطاء سياسية ارتكبها "مرسي" الأمر اكبر من ذلك ...تبّدت الصورة وكانت أكثر وضوحاً مع مرور الأيام ،الهدف ليس "مرسي" وفقط ...الهدف اغتيال التجربة الناشئة .
أنشأ الإخوان ومن حالفهم ميدان (رابعة) وأقاموا هناك اعتصاماً مفتوحاً موازياً للاعتصام المقام في التحرير ، مال العسكر بقيادة الــ CC إلى من في التحرير ،وساند ذاك الآخر الفاشل المنهزم سياسياً ،وقال للإخوان ولمشروع النهضة (لَأَقْتُلَنَّكَ) وفعل ذلك بالفعل.
المشهد الثاني :
انقلب العسكر على الرئيس المنتخب وأخفوه قسرياً وأعادوا نظام مبارك إلى الواجهة من جديد .
أُغلقت القنوات ...فُتحت السجون ...سُجن الإخوان وكل من يقول لا للعسكر ،وانقسم الناس إلى فسطاطين ،أحدهما مع الشرعية ،والآخر مع الانقلاب ،وتأخر إنشاء الميدان الثالث الذي ظل مؤيدوه متأرجحون بين (لا ، ونعم ) وتكشفت حقيقة زيف البعض الآخر في كل العالم ،الذي أصم أذاننا طوال عشرات السنين متغنياً بالديمقراطية وهو الآن يصفّ مع العسكر بل وصل به الحد إلى التغني بـ "البيادة" والتودد لها .
مع مرور الأيام ،تزداد رابعة في التوسع ،وتلد أبناء جدد، العسكر لم يروق لهم ذلك ...خطط القاتل لوأد "رابعة " ،حاول مرات قتلها ،لكنها تحيا بعد كل موت .
المشهد الثالث :
في يوم الأربعاء 14 /8/2013م أقدم "نيرون" على حرق "رابعة" ومعها أختها "النهضة" وقتل من فيها ،قُتل يومها أكثر من ألفين شهيد وعشرات الآلاف من المصابين والمخطوفين .
أحرق كل شيء يتعلق برابعة حتى المكان أحرقه ،ظناً منه قتل رابعة ،لكن رابعة لم تمت ، بقت رابعة رافعة رأسها شامخة بأبنائها ،عصيّة على أعدائها ،حاولوا وأدها لكنها حيةٌ تسعى ، فرابعة لم تكن رمزية شرعية "مرسي" وحسب رابعة رمز الصمود والعزة والشموخ والطريق إلى الحرية.
رابعة حياة كرامة تسري في النفوس، تقاسمات عزة يبحث عنها الجميع، مفترق طرق إلى العيش المشترك يسلكه الأحرار ،صمود أبطال في وجه الفاشية العسكرية ،حياة شهداء افترشوا أرضها والتحفوا سماءها .
( رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَىٰ نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ)
أحرقوا رابعة وبقت سامقة تُنادي ربها وتُغني :
فليتك تحلو والحياة مريرة *** وليتك ترضي والأنام غضاب
وليت الذي بيني وبينك عامرٌ *** وبيني وبين العالمين خراب
إذا صح منك الود فالكل هين *** وكل الذي فوق التراب تراب
المشهد الرابع:
فاق الجميع بعد حرق "رابعة" ،الكل جميعهم تنبه أخيراً ،الثورة تُسرق ،والجيش يعود ،ومبارك يحكم ،نادى الجميع "الثوريين" أنصاره بالنزول يحرس رابعة ويرفض الانقلاب ،لكن العسكر يومها كانوا قد توغلوا في القتل ولا يهم بعد العدد ،قُتل الكثير في رمسيس ،والإسكندرية ومدن مصرية اخرى كثيرة ،ودعا أنصار الشرعية لأسبوع الرحيل وعاد قانون الطوارئ إلى الظهور ولم يظهر ،وواصل الثوار مسيرتهم ليل نهار ،وانتهى الأسبوع ومات قانون الطوارئ ،وأُعتقل مرشد الإخوان وقياداتهم وسافر البرادعي مُغاضباً وخرج "مبارك " من سجنه ،وقاد الشعب ثورته ،ومازال في القصة فصول.....!!!!
محمد محروس
رابعة الربيع...مشاهد 1479