لقد وضع الانقلابيون هدفاً وهو فض الاعتصام وإنجاح الانقلاب, في إصرار من عسكر مصر على إغلاق نوافذ الحوار, ثم فرض شروطهم متوقعين بفض الاعتصام انتهاء الثورة.
إن هدف الانقلاب الحقيقي هو إقصاء التيار الإسلامي من العملية السياسية، وفرض علمنة وعسكرة الدولة، وكان قائد الانقلاب يريد دفع القوى الإسلامية خارج إطار الفعل والتأثير، حتى يبني نظاماً سياسياً مقيداً بشروط علمانية ومقيداً بدور سياسي للقوات المسلحة، ثم بعد ذلك يمكن لأي قوى أن تشارك في بالعملية السياسية، لأنها ستكون عملية شكلية لا معنى لها، كما أن القوى الإسلامية إذا شاركت في النظام السياسي الذي يستهدف الانقلاب بناءه سوف تكون محرومة أصلاً من أن تكون معبرة عن هوية الشعب المصري وتصبح مشاركتها بلا معنى بعد أن يصبح المشروع والهوية مقيدين بشروط علمانية.
ولهذا رفض قائد الانقلاب أي حل سياسي، بل وقام بفض الاعتصام بمذبحة مروعة, لأنه يريد كسر قوة القوى الإسلامية، حتى يتمكن من تمرير التعديلات الدستورية.. لذا يريد أولاً التخلص من القوى الإسلامية بإضعافها ولو مرحلياً حتى يتمكن من تمرير مخطط الانقلاب.. ولهذا قادة الانقلاب يشنون حرب إبادة ضد التيار الإسلامي، بكل مكوناته وبكل القوى المعبرة عنه، والجماهير المنتمية إليه..
مما يعني أن الاستسلام أمام تلك الحرب يؤدي عملياً إلى إقصاء دموي للتيار الإسلامي، وبهذا يصبح التيار الإسلامي أمام حرب وجود، فإذا انتصر الانقلاب عليه أخرج من ساحة العمل السياسي وحوصر اجتماعياً وأصبح خارج دائرة الحضور السياسي والاجتماعي في آن واحد.
ومن الجهة الأخرى فإن قادة الانقلاب عندما شنوا حرب إبادة ضد التيار الإسلامي كانوا يدركون أن فشل تلك الحرب تؤدي إلى إخراجهم من الساحة, كما تؤدي إلى إخراج القوات المسلحة من العملية السياسية وتؤدي أيضاً إلى هزيمة الدولة العميقة بكل مكوناتها، وخسارة فادحة لتلك القوى والكتل السياسية التي شاركت في الانقلاب العسكري, مما يعني أن كل مكونات الانقلاب العسكري تشن حرب وجود وتدرك أن هزيمتها تخرجها من مجال الفعل والتأثير السياسي.. وسلسلة المذابح التي ارتكبت بما فيها المذبحة الأهم وهي مذبحة فض الاعتصام تجعل قادة الانقلاب يندفعون في معركتهم حتى النهاية خوفاً من فشل الانقلاب ومحاسبتهم جنائياً، مما يعني أن المعركة بالنسبة لقادة الانقلاب أصبحت معركة وجود, وهو ما يدفع قادة الانقلاب إلى التمادي في العنف الرسمي، بصورة غير مسبوقة، فليس أمامهم إلا الانتصار أو المحاسبة.. وخروج الشعب المصري بالملايين بالأمس, رغم اعتقال قادة الإخوان, يعطي مؤشراً على فشل انقلاب العسكر في مصر.. "والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون".
محمد سيف عبدالله
مليونيات مصر مؤشر على قرب فشل الانقلاب 1934