أجمع مؤخراً عدد من خبراء السياسة والمراقبين والمحللين السياسيين في الداخل والخارج، لنتائج ثورات الربيع وتأثيراتها على تطور مجتمعات أقطارها, لاسيما بعد التطورات والأحداث الأخيرة التي شهدتها بعض الأقطار وتحديداً مصر وتونس.. اجمعوا على أن الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي تمكن من إحراز نجاحات ميزته عن غيره من رؤساء أقطار الثورات العربية، في مسار الحفاظ على تنفيذ التسوية السياسية في اليمن بصورة أدهشت الخارج، بالنظر إلى صعوبة الأوضاع في اليمن حين تولى الحكم لتعدد الجبهات التي يصارع فيها، وأبرزها جبهتا بقايا النظام السابق ومحاربة الإرهاب، والملفات السياسية المعقدة والعوامل الموروثة من النظام السابق التي كادت أن تجهض العملية السياسية، وجهود هادي خلال العام الماضي ومنتصف العام الجاري، إلا انه استطاع أن يتغلب عليها والحفاظ على خارطة الطريق في اليمن من الانهيار والاستمرار بتنفيذها، حيث كانت عملية إزالة المتاريس، ونزع التوتر بين أطراف الصراع في صنعاء، وقدرته على جمع معظم الأطياف والتيارات السياسية المتباينة تحت مظلة الحوار الوطني لتطرح لأول مرة في تاريخ اليمن القضايا والملفات الشائكة بشفافية ووضوح، ابرز نجاحاته التي تحولت إلى أهم الدوافع لتوجيه أنظار المراقب الخارجي تجاهه، بل إن تدشينه مؤخراً طريقاً جديداً لاستعادة الثروات المنهوبة بطريقة الفساد أو غيرها، والتي كان آخرها إقناع الأصدقاء الكوريين بإعادة النظر في أسعار الغاز اليمني الذي زاد من شعبيته وأعاد للمواطن ثقته بالدولة ليبعث فيه الأمل من جديد لتحقيق تطلعاته التي ناضل لتحقيقها عشرات السنين، هذه النجاحات التي تسُطر وترسم صفحات مضيئة لتضاف إلى صفحات تاريخه السياسي الناصع البياض، التي لولا حياديته ووقوفه إلى جانب الشعب وخياراته المشروعة، لما وصل إلى هذا المستوى من النجاح جعلته محط أنظار المراقبين للشأن المحلي في أقطار ثورات الربيع العربي وضاعفت من ظاهرة الاهتمام والدراسة للتجربة اليمنية، لينال راعيها إعجابهم كرئيس صانع للسلام في قطر ذي أهمية استراتيجية خاصة بين اقطار تلك الثورات..
وبالرغم من ما تمثله هذه المكانة التي وصل إليها هادي مبعثاً للأمل وفخرٌ واعتزاز لكل اليمنيين والمجتمع العربي ككل, إلا أن مجتمعنا اليمني تفاجئ مؤخراً بحالة الذعر التي أيقظت بعض الأطراف والقوى "فاقدي المصالح والسلطة" من مضاجعهم وما نتج عن ذعرهم من حملات إعلامية مسعورة ليقابلوا بها ذلك النجاح دون مبرر أو تفسير منطقي مقبول، لم نفهم منها إلا أنها جاءت لتميط أقنعة الزيف والخداع التي تكتسي وجوههم، وليكشفوا بهذا السقوط المدوي عدائهم للشعب اليمني واستقرار الوطن، وليفضحوا أنفسهم ونواياهم ومطمعهم للعودة للسلطة عندما تحول عملياً في سلوكهم إلى هدف مقدس ليحتل الأولوية في حياتهم عن بقية الأهداف والقضايا المصيرية التي يسعى اليمنيون لحلحلة إشكالياتها ولعل أبرزها مسالة السلام الدائم، بل أفقدهم السيطرة على كيفية التعامل السياسي مع بعض المستجدات الناشئة التي لم تكن في حساباتهم كنجاحات هادي، ليظهروا بتمسكهم المطلق بالزمن وحرصهم عليه بصورة تجعلنا نتسأل ماذا لو أنهم ابدوا قوة تمسكهم بالمواثيق والتواريخ والاتفاقيات قبل حرب 94, لجنبوا البلد والشعب حينها الحرب ونتائجها الكارثية، التي تعد احد نتائج طيشهم السياسي، كما أن سعيهم ولهثهم من أجل العودة للسلطة لأمر يثير الدهشة والاستغراب!!.. فهل هؤلاء من يطلق عليهم "قادة أو زعماء بالحصانة" بحاجة لتذكيرهم بأن تاريخهم السياسي اختتموه بالنضال لأُشهر من الحوارات المضنية للحصول على "الحصانة " وهي فعلياً في نظر العامة إدانة؟.. أي سلطة يطمحون هؤلاء لاستعادتها اليوم بعد أن أصبحت السلطة بيد الشعب وهو من يختار من يرى أن لديه تاريخاً ناصعاً نظيف اليدين أو من يسعى لإحلال السلام في ربوع اليمن، أما الملطخون بدماء الأبرياء فزمنهم ولى إلى غير رجعه..
فالشعب اليمني أصبح اليوم يعي مصلحته أكثر من أي وقت مضى ولن يكرر لنفسه الوقوع ثانيةٌ تحت التأثير والتضليل السياسي، ولن تنجلي عليه تلك الألاعيب والأكاذيب، التي سئم منها، فعلى أولئك أن يكفوا عن حملاتهم التي يطلّون علينا بها في أجهزتهم ووسائلهم المسخرة لخدمة الفرد ومصالحه الخاصة، والتي لن يُعد لها أي تأثير اليوم على رأي المواطن بعد أن ترسخت قناعته بان هادي هو الأقدر والأفضل لحمل همومه، وإنجاز التسوية وإدارة بقية فصولها ومرحلتها الانتقالية القادمة المفصلية لحل مجمل القضايا المعقدة، التي تحتاج التمديد له لسنوات بعد أن برهن بحياديته وإخلاصه الوطني لقضايا شعبه بأنه رجل السلام المعول عليه قيادة المراحل القادمة، ودون ذلك واستمرار هؤلاء في إعاقة أحلام اليمنيين، إنما هو استمرار سعيهم لإنتاج معادلات صعبة سيجبر الشعب بالتعاطي معها، وحتماً سيكون الرئيس هادي فيها رقماً صعباً وسيرتبط نجاحها المأمول ببقائه أو العكس إذا ما فكروا أولئك بالحفاظ على مصالح أبناء الشمال ومصير ما يتشبثون به..
ولذا عليهم مراجعة حساباتهم وأن يعودوا بذاكرتهم إلى الخلف عند أحاديثهم عن التفريط بالسيادة الوطنية ليتذكروا أن الأطراف الموقعة على المبادرة الخليجية هي من ارتضت بوضع اليمن تحت الوصاية وليس الرئيس هادي.. لأن دوافعهم للتوقيع عليها حينها أصابتهم بالعمى لأنها كانت نابعة من هدف احتواء ثورة الشباب، وإعادة إنتاج القديم في قالب جديد يتماشى شكلياً وإعلامياً مع الحد ما دون الأدنى من التغيير لاسترضى الشباب به، مع الإبقاء على الأدوات القديمة ومراكز القوى لإدارة المراحل القادمة من خلال إعادة نفخ الروح في الأحزاب والقوى المتنفذة، لاستعادة نشاطها وحضورها بعد أن سقطت أخلاقياً وسياسياً وفقدت شعبيتها منذُ فبراير حتى 18 مارس 2011 م.
وبالنظر بعمق إلى تفاصيل (المبادرة الخليجية) وآليتها المزمنة، سيتضح أن مضامينها لا تؤمن حلاً للمشكلات وقضايا اليمن المتراكمة خلال فترة عامين التي تحتاج إلى أكثر من ستة أعوام، ليتبين بجلاء أنها جاءت لتؤمن فقط كيفية عودة موقعيها للحكم وترحيل القضايا الساخنة، ولتتضح الصورة للجميع بأنهم ارتضوا وقبلوا بوضع اليمن تحت الوصاية مقابل الحلم بالعودة للسلطة بعد عامين ليضاف ذلك إلى تفريطهم السابق بالسيادة الوطنية منذُ 2004م مقابل المال، ولطالما تثبت الوقائع اليوم أن العامين غير كافية لحل الملفات الملغومة، فمصلحة اليمن تُكمن في التمديد لها وللرئيس التوافقي الذي قاد التسوية بحنكة وجنب اليمن الانزلاق إلى حرب أهلية أكثر من مرة.
نستقرب من ذلك التباكي على السيادة الذي أصبح حديث الحملة الإعلامية الموجهة من معظم الوسائل الإعلامية التابعة لبعض الأطراف والقوى الموقعة على (المبادرة الخليجية)، ومحاولة الاستخفاف بعقلية المواطن الذي يدرك جيدا خفايا اتفاقية الحدود مع الأشقاء واستقطاع الأرض، ويعلم جيداً بمن فرط بالسيادة الوطنية، ومن قتل الأبرياء في المعجلة ومأرب وغيرها من المحافظات التي تسبب فيها إرسال معلومات استخباراتية مغلوطة من النظام السابق للشركاء بتعمد لتطويع أبناء تلك المحافظات.. ويعلم أن الرئيس هادي لم يكن مسئولاً عن إرسال تلك الإحداثيات والمعلومات الخاطئة.. فالاستخفاف بوعي المواطن، المراد من خلاله تعليق أخطاء هؤلاء وتاريخهم الملطخ والحافل بالجرائم الإنسانية على الغير.. ما هو إلا إفلاس سياسي وأحد نتائج ردة الفعل على نجاحات هادي المحققة خلال فترة قياسية لا تتجاوز عام ونصف، التي برهنت بإمكانية وقدرة هادي على بناء الدولة المنشودة الذي فشل أسلافه في تحقيقها لتعارضها مع مصالحهم الشخصية.. نعم خلال عام ونصف وجد اليمنيون انفسهم أمام رئيس وطني منهم واليهم ظل محايداً صلباً أمام كل محاولات الابتزاز الفاشلة من الأطراف المتنازعة في صنعاء، التي تحاول باستمرار وضعه موضع التجاذبات السياسية لها لحرفهُ عن حياديته، لكن رفضه ومقاومته العقلانية لتلك الأهواء، وإصراره على أن يظل إلى جانب الشعب اليمني وقضاياه العادلة لتحقيق تطلعاته وآماله جعله يتربع في قلوب الناس، بعد أن أعاد لهم الأمل المفقود لبناء الدولة الحديثة منذ استشهاد الرئيسين الحمدي وسالمين, رحمهم الله.. بل إن تلك النجاحات والمواقف النبيلة جعلته يحتل مكانة دولية مرموقة كرئيس فريد متميز بأفعاله، وحكمته الرامية لترسيخ السلام عن نظرائه من الرؤساء الذين جاءوا بعد ثورات الربيع العربي.
كل هذا يزيد من قوة التوافق عليه شعبياً وإقليمياً، ودولياً، بعد أن برهن تعامله مع الأحداث انه رئيس ناجح في إدارة شؤون بلده وتنفيذ الحازم للتسوية السياسية، بل وقائدٌ صلبٌ صانع للسلام يتحلى بالصبر والقدرة النادرة والحكمة في اصعب الظروف، يحترم حقوق الإنسان والقوانين الدولية، وأسس الديمقراطية والقبول بالآخر وينأى بنفسه والمقربين له عن تسخير إمكانيات وقدرات البلد لمصالحهم الخاصة، كما فعل أسلافه، فلم يلطخ تاريخه السياسي كبعض القادة الذي لطخوا تاريخهم ونجاحاتهم السياسية بارتكاب الجرائم الإنسانية في مجتمعاتهم.. الأمر الذي يزيد من رصيده السياسي ويجعله اليوم آهلاً لتلك الثقة ونيل هذا التوافق لمواصلة مسيرته والسير لإنجاح التسوية السياسية لإخراج البلد إلى بر الأمان بعد القناعات التي يبديها المجتمع المحلي والإقليمي والدولي عن حاجة اليمن إلى فترة إضافية والتمديد لهادي لفترة انتقالية قادمة لضمان إكمال وإنجاح التسوية ومرحلتها القادمة، وتحقيق غايات الشعب اليمني وهذا ما أثار أولئك ليستنفروا من مضاجعهم للنفخ في بالونات مثقوبة باستهدافه، ظناً منهم أن تلك الأساليب والأدوات والوسائل التي شرعوا في تأسيسها قبُيل توقيع المبادرة الخليجية, بأنها ستعمل على تحريف وتشويش آراء وأفكار المواطن اليمني الذي يفضل اليوم الانحياز إلى هادي الصادق في تحمله هم الوطن والمواطن، واضعاً قضاياه عنواناً لفصل جديد من فصول تاريخه ومشواره السياسي الزاخر بالبطولات وحب الوطن والأداء السياسي المتميز.
لن نقول لهؤلاء إلا أن محاولاتهم واستهدافهم الموجة لهادي لن تؤثر فيه أو تهز شعبيته أو تثنيه عن طريق اختاره وباركه الشعب والمجتمع الدولي، بل إنها ستزيد التفاف الشعب حوله، فهادي واحد من ابرز القادة الاستراتيجيين والرؤساء القلائل على مستوى الشرق الأوسط الذين يسعون بجهدهم وإخلاصهم إسعاد شعوبهم، وليس السعي للحكم على أشلاء مواطنيهم.. فمعدنه أصيل لا يتأثر بنعيق الغراب, بل إن ذلك يمنحه القوة ويكسبهُ المزيد من اللمعان، فهو كالذهب الذي اذا تعرض للصهر ازداد لمعاناً، وفاقد البصيرة لا يعلم بخفايا قوته بأنها مستمده من الشعب صحاب الحق والرأي لاختيار من يراه انسب للحفاظ على مستقبله, كما قال الشاعر المرحوم شائف محمد الخالدي:
أبو لوزه معيّ ذهب غالي والذهب ما يبور
مهما شوهوا بالذهب أو جاه النكد والدبور
عارف سعره المشتري ذي عنده بصيرة ونور
ما بيعرفوا قيمته العميان أو ناس عور
مدين مقباس
صانع السلام في ثورات الربيع العربي!! 1265