ظاهرة إطلاق الرصاص ومحاولات اغتيال أعضاء حكومة الوفاق أخذت رقماً قياسياً بين محاولات الاغتيال للقادة والمسئولين, حتى في زمن ثورتي سبتمبر وأكتوبر التي استمرت البلاد في حالة حرب لأجلها أكثر من ثمان سنوات.
والغريب أن إطلاق الرصاص هذه ومحاولات الاغتيال على تعددها في فترة حكومة "الوفاق" لم تصب أحداً من هؤلاء المسئولين أو الوزراء, حفظهم الله وأدام بقاءهم، وإنما إذا ما صدقت وأصابت فهي تصيب الغلابة من أبناء الوطن وما أكثرهم، وهي حين تصيب هؤلاء فهي تصيبهم وتقتلهم ولكن دون ضجيج إعلامي ولا تصريحات لا من وزير ولا من مكتب الوزير، ولا من مكتب الغفير، ولا تحظى حتى بإدانة من ما يسمى بــ" المجلس الوطني لقوى الثورة "، الذي لم نعرف له شكلاً ولا لوناً ولا رائحة، ولا يعرف له مقر، ولا نشاط، ولم يعد المسكين يدري أين ذهبت الثورة ومن سرقها، ولم نعد نسمع به إلا في تعازي وأفراح "ثلاثي المشترك" والمحظيين من أعضاء الحكومة ومشايخ الضمان.
الوزراء الأكثر تعرضاً لإطلاق الرصاص ولمحاولات الاغتيال هم وزراء النقل والإعلام ثم الدفاع، ولعل معظم هذه المحاولات أتت عن طريق الخطأ يا أصحاب المعالي وأنتم تعرفون هذا جيداً، وفي إطار النظام وقيام الجنود- الذين يحرسون ليلنا ونحن نيام- بواجبهم، ففي تصريح لمصدر في مكتب معالي وزير الإعلام يقول مثلا:" تعرضت سيارة الوزير بنقطة عسكرية تابعة للجيش لإطلاق نار، بسبب عدم توقف السائق لعدم مشاهدته أي علامة تدل على وجود نقطة للتفتيش".. ويضيف المصدر أنه "بعد عبور الموكب فوجئ الموكب بمجموعة من الجنود يقطعون الطريق".
طيب يا معالي الوزير وأنت الصديق والأخ العزيز الذي احترمه واقدره، لما لا يرى سائقكم نقطقة التفتيش؟, ولماذا لا يتوقف موكب سيركم عند النقطة؟, أليست الحكومة حكومتكم والجيش تحت إمرتكم؟, ما الذي يخيفكم إذا ما توقفتم عند هؤلاء الواقفين على قدم في نقطة عارية باردة حالكة، وأنتم تسيرون- كما تقولون- في موكب كبير لا يخلو من التكييف ووسائل الترف والراحة؟!.
أما أخونا الرائع الوزير باذيب- كما أسمع عنه- كان ذيباً قبل الحكومة، لكن الحكومة أفسدته، فدخل- ربما- مرغماً في مسلسل "حكايات" محاولات الاغتيال التي كان يعلن أنه تعرض لها ما بين الوقت والآخر، مرة في عدن ومرة في صنعاء، ومرة في المخاء وووو.. الخ..
والغريب العجيب أنه لم تثبت حد علمي من كل هذه الحوادث التي تعرض لها معاليه حتى الآن- على الأقل- إلا حادثة اعتداء مرافقيه على أحد الصحفيين وهو يراجع في مكتب الوزير للحصول على مستحقات أبيه، وعندما اعتذر معالي الوزير للصحفي "المواطن الغلبان" خرجت صحف ومواقع التطبيل والتلميع والإشادة بعناوين تمجد "أول وزير يعتذر لمواطن"، ولكنها بالمقابل لم تتحدث عن الكارثة التي تعرض لها الصحفي المسكين وهو يضرب بأعقاب بنادق الوزير ويشتم بأقذع الألفاظ من مرافقي الوزير، وكأنه قد كتب على مواطني هذا المجتمع أن يظلوا تحت سقف العبودية حتى في ظل من يحملون شعارات البحث عن الدولة المدنية، والعدالة الاجتماعية، والمواطنة المتساوية.
والحال هو نفسه بالنسبة لبقية من تعرضت وتتعرض مواكبهم من أصحاب المعالي الوزراء "المدججين بالأسلحة والمرافقين" لإطلاق نار ومحاولات اغتيال، حتى وصلت إلى دولة الأخ رئيس الوزراء الأستاذ/ محمد سالم باسندوه الذي تعرض موكبه هو الآخر لإطلاق نار ومحاولة اغتيال يوم السبت الماضي، والقضية- كما نقرأ ونسمع- لا تزال تراوح بين "قيل وقال"، وهي الأخرى لا يستبعد أن تكون عرضية، ولا تعدو أن تكون من فبركات الحشم والخدم.
وهنا أتذكر أن الأستاذ باسندوه حضر ذات مرة احد اجتماعات ما كانت تسمى بـ" اللجنة التحضيرية للحوار" بعد تشكيل حكومته مباشرة، بسيارة صغيرة من نوع ""Santafi متواضعة، كان يقودها أحد أقاربه، والدنيا كانت لا تزال مخيفة ومشتعلة فعلاً.. أكبرت في الرجل ذلك التصرف، لأنه كان يقدم النموذج الذي يمكن أن يقتدى به، وكان يؤكد أن حكومته الانتقالية تمهد فعلا لبناء الدولة المدنية التي كانت تتصدر خطاباته وأحاديثه، لكن للأسف ما إن سولوا له قصة المرافقين والسلاح وأهميتهم وهيبة رئيس الحكومة، كانت أولى نتائجها قتل مرافق ابنته حارس "اكسيد" السنباني، التي أعرف أنها آلمته كثيراً، ولا تزال تؤرقه حتى الآن.
شيء مؤسف أن يتعرض أبرز الوزراء في حكومة "الوفاق" لمحاولات اغتيال، لكن الأسئلة المهمة التي تطرح نفسها هنا، هي: لماذا يتعرض وزراؤنا وكبار مسئولينا في ظل حكومة "الوفاق" لإطلاق نار ومحاولات اغتيال؟, هل لأن الحكومة تحمل مشروعاً وطنياً تحديثياً عظيماً وكبيراً سيخرج الوطن من ورطته؟.. ثم لماذا هذه الكراهية لحكومة "الوفاق"؟, ولماذا يتكاثر الحاقدون على وزرائها ومسئوليها؟, هل لأن هذه الحكومة "الرشيدة" حققت الإنجازات التي لم تحققها حكومة من قبلها؟, هل لأنها أوقفت نزيف الفساد والعبث بالسلطة والثروة التي خرج الناس ضدها مطالبين بالتغيير؟, هل لأنها قضت على ظاهرة التسول، وكفلت للعاطلين عن العمل سبل عيش آمن وكريم؟, هل لأنها حققت الآمن والأمان؟.
أسئلة بحاجة إلى أن يجيب عليها أعضاء الحكومة أنفسهم.. والدنيا سلامات!!.
* رئيس مركز الوحدة للدراسات الاستراتيجية
د.عبدالوهاب الروحاني
لماذا يحاولون اغتيال الحكومة؟! 1185