إذا كنت تريد الرحمة قتلناك بلا تحقيق, وإذا كنت تريد العدل قتلناك بعد التحقيق, وإذا كنت تريد الحرية لك أن تختار الوسيلة أو الطريقة التي تُقتل فيها, فانت لا محالة مقتول.. إذا كانت هذه من بعض صور الاستبداد التي نقلها (نجيب محفوظ) في إحدى رواياته من زمن الاستبداد الممتد من الخمسينيات إلى إطلاق ثورات الربيع التي بدأت فيها الشعوب تتنفس أنسام الحرية؛ أخذ يعود وبصورة أبشع وأقبح بذلك الانقلاب الدموي الفاشل الذي قام به الفرعون والعبيد, وأخذت تلك الكائنات التي تتنفس ثاني أكسيد الكربون وتطّرح الأكسجين التي تعاني منها جميع شعوب الأمة والمتمثلة في تلك البيادة التي لم تصنع سوى السقوط والهزيمة, وتيارات التآمر والمكر والتسلق والادعاء, وجمهور (بحبك يا حمار) المميز والممتاز بالانحطاط والانبطاح والغباء.. وغيرها من الكائنات الميتة وعصابات النهب والفساد التي تعمل على إعادة كل أزمنة الاستبداد والعبودية والسقوط, تسعى اليوم إلى تثبيت أركان ذلك الزمن المستبد الذي يتمثل في الانقلاب الدموي الفاشل.. فالبوليسية والدكتاتورية والاعتقالات والتصفيات والقمع.. وغيرها من العمليات الاستبدادية قد عادت وبصورة أشد مأساوية, فالمجازر التي يرتكبها الانقلاب الدموي, وعمليات الإبادة والتصفيات والاعتقالات الواسعة التي يقوم بها هي أشد وأعنف وأقوى استبداداً وقبحاً في تاريخ مصر، فقد غدى قتل المتظاهرين وحرق المعتصمين عملاً وطنياً ومقدساً, وغدى الاعتصام جريمة، والمسيرات حراماً، والاعتقالات والتصفيات والإبادة دفاعاً عن الوطن.. فاذا كنت حراً أبياً ترفض الانقلاب والاستبداد سيقولون أنك إخواني, وإذا كنت تقول الحق سيقولون إنك تميل إلى الإخوان، وإذا كنت إخوانياً أو تميل إلى الإخوان سيقولون إنك إرهابي, فاذا لم تُقتل بالغاز أو رصاص القناص في المسيرة أو الاعتصام؛ فإنك ستقتل في المعتقل أو في عربة المعتقلين.. فأغنية (العنف والإرهاب والإخوان) التي اخترعها المستبدون العرب في ذلك الزمن المستبد, هي نفسها تلك الأغنية المفضلة التي يغنيها اليوم كل المستبدين في الوطن العربي، ويرددها جمهور (بحبك يا حمار) في كل قطر.
معاذ الجحافي
الاستبداد...!! 1307