بدأت المؤامرة منذ اللحظة الأولى لإعلان نتيجة الانتخابات وكانت هذه المؤامرة على أعلى درجة من الدقة والمهارة, بحيث يقع في شراكها أكثر الناس ذكاء وحصافة.. وإلى التفاصيل.
تم الاتفاق داخل المؤسسة العسكرية على أن يتم اختيار شخصية السيسي وزيراً خلفاً لطنطاوي ليقوم بدوره بتنفيذ انقلاب عسكري مدعوم جماهيرياً خلال أقل من عام, وخلال هذا العام يتم التمهيد لهذا الانقلاب بالتعاون بين كافة أجهزة الدولة وليس من الضرورة بمكان إطلاع هذه الأجهزة على سبب السلوك الذي تقوم به, بل يكتفي الجيش بتوجيه قيادات تلك المؤسسات بطرق مباشرة للقيادات الموالية لهم ويتم إفشال بقية المؤسسات بطرق غير مباشرة عن طريق الانفلات الأمني وما شابه..
وعلى الجيش أن يهيئ الطريق للسيسي ليصبح وزيراً للدفاع من خلال فبركة مواجهة بين وزير الدفاع السابق والمجلس العسكري من جهة وبين الرئيس مرسي على إثر هذه المواجهة المتمثلة بتقليص صلاحيات الرئيس مرسي والصدام مع سياساته ووضع المؤسسة العسكرية في موضع الند للرئيس مرسي.. وفي نفس الوقت يتقدم مدير المخابرات الحربية الفريق السيسي بتقرير موقف يحذر فيه الرئيس مرسي من احتمال كبير بأن يقوم المجلس العسكري برئاسة طنطاوي بانقلاب عسكري رافق هذا العرض عرض آخر بحل يفوت على المجلس العسكري القيام بهذا الانقلاب وهو حل المجلس العسكري وإحالة قياداته إلى التقاعد, وتعيين وزير الدفاع ورئيس هيئة الأركان مستشارين وتكريمهما بحجة حفظ ماء وجههما واسترضاء للقيادات الموالية لهما داخل الجيش المصري, مع عرض موقف آخر أنه وفي حالة قيام الرئيس مرسي بهذه الخطوة الاستباقية فإن قيادات الجيش من الصف الثاني ستؤيدها, وتم إرفاق هذه التوصية بقائمة تتضمن أسماء من ينبغي أن يتكون منها المجلس العسكري الجديد وكلهم ممن يعرفون تفاصيل المؤامرة ويدينون بالولاء الكامل للفريق السيسي والهدف من تغيير المجلس العسكري بهذه الطريقة إقناع الرئيس مرسي بشخصية السيسي والقيادات العسكرية الجديدة وإقناعهم بوفائهم وولائهم لثورة خمسة وعشرين يناير وللرئيس المنتخب ثانياً المجيئ بقيادة عسكرية جديدة غير ملطخة أيديها بالدماء وغير معروفة بالفساد والتبعية لنظام مبارك كالقيادة العسكرية السابقة المتمثلة بطنطاوي ومجلسه العسكري ليكون لها القبول في حال قيام المؤسسة العسكرية بتنفيذ خطة الانقلاب على الرئيس والشرعية وهو ما حدث بالفعل.
وفي ضوء ما سبق وجد الرئيس المغدور مرسي نفسه ضحية هذه المؤامرة, فسلم الجيش والدولة لهذه القيادة المتآمرة منذ اللحظة الأولى والتي تنفذ أجندة داخلية خارجية وعين السيسي وزيراً للدفاع وكرم طنطاوي وعنان وقاعد المجلس العسكري القديم المغضوب عليه شعبياً بسبب تصرفاته القمعية عقب تسلمه السلطة وبسبب المجازر التي ارتكبها أثناء فترة حكمه وبسبب الفشل الاقتصادي والإداري والأمني الذي رفق أيام حكمه, وعين الرئيس المغدور مرسي مجلساً عسكرياً تآمرياً كالذي سبق, لكن له من القبول الجماهير ما ليس لسابقه ومكن للسيسي وزبانيته وأصبحت الدولة والجيش والمؤسسة الأمنية مسروقة من الثورة لمصلحة من قامت الثورة عليهم وأصبحت تقارير الموقف التي يقدمها الجيش تسير بالرئيس مرسي نحو العزل وبثورة خمسة وعشرين يناير نحو المحو لمصلحة ثورة مصطنعة صنعها العسكر في غفلة من الرئاسة ومولوها ودعموها وتوجوها بانقلاب أسود في الثالث من يوليو وتوهموا تعميدها بدماء أنصار الشرعية في ثلاث مذابح كبار أولها مذبحة القصر الجمهوري وآخرها مذبحتا ميداني النهضة ورابعة, ولا تزال توابع هذه المذابح تترد يومياً بعشرات من الضحايا.
من خلال ما سبق نجد أن الرئيس مرسي وحكومته وقعوا ضحية مؤامرة كونية أكبر من أن يتفطنوا لها أو أن يتفطن غيرهم, وأنه كان لا بد أن يمر وقت ليس بالقصير حتى تتكشف معالم هذه المؤامرة..
خلال ما تم سرده نستطيع القول إنه لمن الإجحاف تحميل المسؤولية كاملة للرئيس مرسي فيما جرى, فما جرى ليس بالهين ويتحمل مسئوليته بشكل شبه كامل من خطط ومول ودرب واستغل هشاشة الموقف عقب الثورة.. وعلى الثوار أن يأخذوا الدروس والعبر مما سبق وأن يحتاطوا لثوراتهم القادمة وأن لا يتعاملوا مع أدوات الأنظمة المثار ضدها وأن يكونوا أدواتهم الثورية على كل الصعد والمجالات والإدارات والمؤسسات المدنية والعسكرية, وإن كانت غير ذات خبرة, ففي مرحلة الثورات الولاء للثورة أهم بكثير من الخبرة ومما عدى ذلك.
جلال الوهبي
سيناريو المؤامرة ضد الرئيس مرسي 1462