إطلاق سراح مبارك يعني الكثير:
- أي ثورة حقيقية لابد بديهياً أن تقوم مقابلها ثورة مضادة للحفاظ على الأوضاع القديمة التي قامت بسببها الثورة, نحن أمام انقسام بين اتجاهين, كل اتجاه يؤكد أنه يمثل الثورة، وأن الاتجاه الآخر يمثل الثورة المضادة, كثير منا عنده قناعة بشأن التمييز بينهما، لكن هناك أيضًا من تختلط عندهم الأمور, والمستقبل القريب جدّاً لا بد أن يحسم ذلك.
- ثورة يناير التي أشاد بها العالم طالبت بالإجماع "بإسقاط النظام" و"القصاص للشهداء" تم إسقاط مبارك فقط، ولم يتم إسقاط النظام (الذي يشمل القضاء) فقام هذا القضاء بالحفاظ على مبارك وعندما تغيرت "البوصلة السياسية" بالانقلاب العسكري قام القضاء بإطلاق سراحه, أمر واضح ومتوقع, من ناحية المبدأ غير مقبول أي مبررات قضائية لذلك, كما سمعنا؛ لأن البديهيات تقول إن الثورة فوق القضاء بل فوق الدستور والنظام كله.
إذا أضفنا لذلك عودة جهاز أمن الدولة بأقصى قوة، وبتصريحٍ معلن من الوزير, الجهاز الذي قامت ضده أصلاً أول شرارة لثورة يناير.. نجد أننا لا بد أن نتساءل: هل تريد الحكومة أن تقف بشكل قاطع ضد ثورة يناير التي تمثل كل المصريين, وتستبدلها 30 يونيو بها بعد أن تمَّ في البداية تسويق الأخيرة على أنها استكمالٌ لثورة يناير؟, ولماذا هذا التحول الاستراتيجي الخطير؟.. إذن القضية ليست مجرد صراع مع التيار الإسلامي، كما تم تسويقه إعلاميّاً.
موضوع "مبارك وأمن الدولة" يستدعيني بإلحاح لمراجعة ماذا تمَّ تحت مسئولية هذه الحكومة في فترة لا تتجاوز شهر ونصف؟ كمحاولة للفهم والتقييم.
1- مجازر بشعة بلا مثيل تاريخي مصري أدانها كل العالم, تحول المشهد من انقسامٍ سياسي إلى دموي جذري مجتمعي داخل كل أسره ويدفع لحافة الهاوية.
2- أسوأ حالة "أمنية واقتصادية", قانون طوارئ, حظر تجول, انتشار البلطجية, تدهور وضع البورصة وتحديد ساعات العمل بالبنوك.
3- غلق الكثير من القنوات الفضائية دون سند قانوني, عودة الضغط على خطباء الجمعة, اعتقالات واسعة للسياسيين, في حين تم إطلاق سراح قاتلي شباب بورسعيد بالمذبحة المشهورة.
4- موقف سياسي دولي لا يحتاج لتوضيح.
5- إعادة تشغيل أكثر من 1200 مخبز "عيش" تم إيقافها لثبات تورطهم في سرقة الدقيق.
6- إعادة فتح باب استيراد القمح وفقًا لمنظومة قبل يناير 2011م, وقف منظومة زيادة زراعته للاستغناء عن الاستيراد, وإلغاء الاتفاقية مع السودان بزراعة 2 مليون فدان قمح.
7- انهيار السياحة لما هو أسوأ بكثير من ذي قبل, زيادة الدين العام الداخلي بقدر مذهل وبنفس القدر انخفاض احتياطي الدولار، وفي شهر واحد.
8- إهمال تام لمعظم الخدمات وارتفاع كبير في أسعار السلع الغذائية.
9- غلق مصنع إنتاج السيارات الذي يقلص من التجميع المحلي لمعظم ماركات سيارات العالم لحساب الأجانب, مع وقف إنتاج جهاز التابلت محلياً, أيضاً إلغاء مشروع قناة السويس.
8- إعادة تفعيل قانون الضرائب العقارية بعد وقفة بعد ثورة يناير بناءً على مطالب شعبية, مع تفويض وزير العدل ببيع أراضي الدولة للأجانب.
10- إلغاء كادر الأطباء, وإلغاء إضافة المواليد الجدد على بطاقة التموين, وإلغاء قانون التأمينات الجديد.
11- الحكم ببراءة أحمد عز.
- أما الجمعية التأسيسية للتعديلات الدستورية.. فقد تمَّ تعيين أعضائها, عن طريق رئيس معين من العسكر, دون أن ندري شيئًا عن معايير تعيين أعضائها (جمعية لا علاقةَ لها بالشعب) ولا عن أعمالها التي تمَّت في الخفاء ولم يذكر الإعلام عن ذلك شيئاً, في حين أنه قام بـ "مرستان" متواصل لسبعة شهور, لانتقاد الجمعية التأسيسية التي أعدت دستور 2012 (كل جلساتها كانت على الهواء مباشرةً) بدعوى أنها جمعية لا تمثل المصريين (وهي جمعية منتخبة من برلمان منتخب)، وكذلك انتقاد المواد الدستورية على مدى شهور متواصلة, ومع ذلك فالمشكلة ليست فقط فيما تمَّ سابقاً مع جمعية ودستور 2012م، بل في المقارنة مع ما يتم الآن مع التعديلات الدستورية.
ولذلك أعود لأقول: المستقبل القريب جداً, من حيث أحوال الحريات العامة والأحوال المعيشية سيكشف المزيد وسيكون سبباً في توعية مَن تختلط عندهم الأمور وتراجع الانقسام الخطير الذي حدث "مربط الفرس هو الوعي بالحقيقة".
* رئيس جمعية المقطم للثقافة والحوار-
د.حسن الحيوان
الحكومة بين مبارك والمستقبل 1222