كل يوم.. نشعُر بالفرق.. بين آمالنّا وما نُحقق.. لا مُشكلة بيّن إفناء الحياة في الحصول على حِلّم.. الفقر: حالة اجتماعية يراها الكثيرين ذنب.. ولقسوة الأيام.. وصعوبة الحياة.. تمتّدُ الأيادي.. لـ الحصول على قوت يوم.. وليت الفرح يأتيّ فيّ أثناء أكل تِلك اللُقيمات القليلة ألتي لا تكفيّ لسد الرمق.. ولكِنهُ القليلُ الكثير بالنسبة لمن لا يجدون قوت يومهم.. وهل نحنُ نشعُر بكل هذا.. رُغم تعايشُنا معهُ كل يوم؟ لمّ لا نحُس بمّا نراهُ ونتألم لـمثل هذهِ الأحداث اليومية المُتكررة فيّ شوارع المُدن وفيّ الأحياء التيّ يقطُنها أسافلُ البشر كمّا يرى البعض؟, هل أكوامُ القمُاش تِلك بيوت تقيّ الناس البرد وتحميّهم من حرارة الشمس؟ هل يستفيدون من ذلِك الصفيح الذي قد يقيهُم شر أشعة الشمس الحارقة.. ولكِنُه لا يحميّهم من أحجار الأطفال العابثين.. وكلمات الرجال الساخرين.. وانثناءه طفل ليأخُذ مِن التراب كِسرة خبز رماها بعضُ الضاحكين.. فتاة تجريّ لكيّ تُغطيّ أمُها مِن المطرّ.. وتُحاول أنّ تصِل بها إلى ذلِك الدار المهجور فيّ أدنى الحيّ الراقيّ تتبعهُا نظرات السُخرية مِن الفتيات.. وكلمّاتٌ سافلة من الصبيان.. ما ذنبُهم إن كان الفقر مُعينٍ لسرق الحياة؟ ، مشهد: كهل يمُر في الطُرقات فجرا.. يسهرُ كُل يوم في الشوارع.. كأنهُ مِن العسس.. يُقيمُ فيّ خيمة بعيدة يعرفُها شبابُ الحيّ.. يذهبّون إليه أحياناً ليُعطونهُ شيء مِن المال وأحياناً بعضُ ما يبقى مِن طِعام العشاء والغداء.. يُطعمُ القطط الكثيرة ألتي تسكُن معهُ.. أراهُ مُبتسِم وأستغرِبُ من ذلِك.. أتعجبُ من مُخاطبتهِ لقططهِ الكثيرة ألتيّ يُناديّ كُل واحِدة على حِدة باسم.. إحداُهنّ اسمُها "برقة" يُناديها ويأكُل معها.. يتقززون أصدقائي من مظهره.. ويرتابون فيّه بأنّهُ قد يكون مدسوس على الحيّ.. مِن قبّل السُلطات.. البعضُ يقول بأنهُ مُتخفٍ لأنهُ مُجرم.. وهُنّاك من يقولُ بأنهُ مجنون.. ولكِن بهِ قليلا من العقل. لم أقترب مِنهُ يوماً إلّا إنّ حمّلتُ لهُ بعض الطعام ألذيّ تُعطيني إياهُ والِدتي لأذهب لهُ به وإلى الآن لا زالّت صورتهُ محفورة فيّ ذاكرتي.. وكأنها لوحةً مرسومة بعناية.. لإنسان يعيشُ الابتسامة بشقاء! / مشهد 2: طفلين.. فتاة وولد عمُرهما في السابعة والثامنة يمُسكون بالناس ويُطالبونهم بإحسان.. أستغربُ مِن إصرارهم على أن يحصلوا على المال.. كُل يوم أمُر بهم وأستغرب كُنتُ أذهب لشراء عصير اسمه "عرائسيّ" وأجِدُهما عِند تِلك البوفية ألتي تبيعُ العصائر كُل يوم.. يُبتسمون حيّن أحضُر.. بالرغم من أنني لا أعُطيهم سوى ابتسامة.. اقتربت مِن الفتاة وسألتُها: لمّ تُصريّن على الحصول على المال؟ هذا الأسلوب يُنفرُ الناس مِنكِ وقد يمدُ أحدهم يدهُ ليضربكِ. كان ردُها مؤلم وقاسٍ وأثرّ بيّ جدّاً: أبيّ لا يسمّحُ لنا بدخول البيت إلّا إنّ جمعنّا لهُ مبلغ"3"ألاف ريال كُل يوم..! صدّمنيّ هذا الرد.. ومرت وهلة لم أشعُر خلالها بأيّ شيء.. سألتُها سؤال آخر: ووالِدتكِ أيّن هي؟ أجابتني بغير اهتمام: والِدتي طلّقها والِدي وعادت للقرية..! أدركتُ حينها.. أن الأمل بوجود حياة كريمة.. قد مات بالنِسبة لهذيّن الطفلين.. وأن حياتهُمّا بُنيت على شقاء.. وأنّ والِدهُما رجُل حقير ولا يستحقُ أن يعيش في هذهِ الأرض.. لأنهُ ببساطة.. يأخُذ المال مِنهُم.. ليشتريّ بهِ "قات" وسجائر!.
جلال العريفي
مشاهد يومية 1478