بات من المؤكد أن الانقلاب العسكري الفاشي في مصر قد نقل هذه الدولة العريقة ألف خطوة إلى الخلف, لعدة أسباب ليس من بينها الحرص الكاذب على مصر واستقرارها أو مكانتها ووحدة شعبها.
السبب الأول هو الشرخ المجتمعي الذي أحدثه العسكر وعصابات الأمن في الجسد المصري بفعل إزهاق أرواح الآلاف من المصريين الذي سلكوا درب السلمية في التعبير عن آراءهم ومعتقداتهم, فكان الرد هو حمام الدم الذي سال أنهاراً في رابعة العدوية والنهضة وأمام مقر الحرس الجمهوري.. واعتبره العديد من المراقبين الدوليين وصمة عار في تاريخ مصر السياسي الحديث.
إن هؤلاء الشهداء وأسرهم وأصدقائهم والجرحى وأقربائهم ومن يؤمن بحقهم في السلمية هم اليوم بركان يغلي تحت وطأة القهر والديكتاتورية والاستبداد الذي يعصف بالشعب المصري جراء الانقلاب الدموي للعسكر ومن ناصرهم وآزرهم بالكلمة أو المال الحرام, وهذا أمر يصرف مصر عن دورها الريادي في المنطقة وعن مهامها العربية والإسلامية والدولية ويجعلها في دوامة عنف داخلية وحلقة مفرغة لا تكاد تنفك منها وهو ما يريده أعداء مصر وحسادها وهذا ما يصب في خانة تقزيم مصر العروبة والإسلام.
أما ثاني هذه الأسباب فهو استمرار الملاحقات الأمنية والاعتقالات التعسفية وملء السجون بالمعارضين للرأي وأصحاب الفكر الذين لم يباركوا انقلاب العسكر وهو ما يخلق جواً سوداوياً ومستقبلاً مظلماً يقضي على كل آمال الشعب المصري في التحول السلمي والتغيير ويعيد إنتاج القيم المناهضة للنهج الديمقراطي ويجنح بمصر الثورة عن مبدأ الخضوع لإرادة الجماهير عبر وسائل ديمقراطية كالانتخابات الحرة النزيهة المعروفة التي خرج من أجلها الشعب المصري وضحى بالدماء حتى خلع مبارك الاستبداد ومبارك الفساد والمحسوبية, وكل هذه الأمور مدبرة بعناية ودراية لتتحول مصر من قدوة ومثل يحتذى لثورات الربيع العربي في التغيير نحو الأفضل، ويحرق موارد مصر التي تحتاجها للتنمية ويحولها إلى دولة بوليسية قمعية لا فرق بينها وبين ليبيا (القذافي) وسوريا (الأسد) وصومال (بري), وهو ما يعني المزيد من التخلف في شتى مجالات الحياة في مصر الحبيبة.
أما أخطر الأسباب التي تعود بمصر القهقرى عدة عقود فهو مخطط الإجهاز بعيد المدى على الجيش المصري الذي ظل الجيش العربي الوحيد القوي المتماسك والذي لا يزال محتفظاً بمكانته في قلوب المصريين حتى ارتكب السيسي حماقته وقاد انقلاباً معيباً على الشرعية الدستورية وانتهك القسم الدستوري وخان الأمانة ونفذ تلك الردة عن الحياد والابتعاد عن السياسة وأقحم الفريق/ السيسي الجيش في مواجهة خاطئة مع جموع الشعب المصري إرضاءً للأسياد ولمن يدفع أكثر وأصبح فرعون الأمس أبر بأمته من سيسي اليوم، كما قال خطيب جمعة الستين الأستاذ/ فؤاد الحميري حينما أشار إلى أن فرعون الأمس قتل بني إسرائيل وشرد موسى (عليه السلام) من أجل المصريين, فيما الفريق/ السيسي يقتل شعبه من أجل خدمة إسرائيل وحلفاء إسرائيل, وهي مفارقة عجيبة ليس أوسخ منها إلا الإسراع في إطلاق سراح المخلوع مبارك دون حياء وخجل ودون فهم الحد الأدنى من المناورة السياسية, ولكنها لا تعمى الأبصار.
أمام المصريون اليوم خيار لا ثاني له, وهو الاستمرار في المظاهرات والمسيرات السلمية المعبرة عن الرفض القاطع لمهرجان اغتصاب السلطة, وهذا كفيل بإعادة مصر إلى حالتها الطبيعية ومكانتها الريادية والحقيقية وإبعادها عن مؤامرة التقزيم ذات البعد الإقليمي والدولي التي تستهدف دور مصر وجيش مصر وشعب مصر الحر الأبي وسوف تسقط دولة العسكر كما سقط من قبلهم من هم أشد منهم قوة إن عاجلاً أو أجلاً.. فالذي يضحي بدمه من أجل الحرية والعدالة أقوى وأمضى من الذي يضحي بكرامته ورجولته من أجل الدينار والدرهم.
عبد القوي القيسي
يريدون لمصر أن تتقزم 1288