;
د. ضياء العبسي
د. ضياء العبسي

تعز.. مدينة القاهرة والمقهورين 1660

2013-08-28 17:14:42


بين ما قاله الثلايا في ميدان الشهداء وما قاله المحافظ في أكثر من لقاء وبين قلعة القاهرة رابط عجيب إذا ما امتزج التفكير بهذه المواقف الثلاثة بشعور الكآبة والإحباط الذي يعيشه قرابة ثلاثة ملايين نسمة, لا يمكن أبداً أن نتجاهل مقولة مشهورة يقولها شهيد عظيم ولا يمكن إطلاقا أن نتجاهل مقولة يرددها شوقي هائل ابن تعز الخبير بها وبأهلها ولا يمكن على الإطلاق طرد شعور الإحباط الذي يشعر به ثلاثة ملايين نسمة يعيشون في هذه المدينة.. كما أن انطفاء الكهرباء كل نصف ساعة عامل مساعد لكتابة مقال يجمع هذه الأقوال العظيمة والأحاسيس الدفينة التي تشخص لواقع مرير يعيشه شعب عظيم في مدينه تتدفق ثرواتها لتعطي صورة العظمة والجلال لليمن بأكملها.
ما قاله الشهيد الثلايا يعبر عن عامل داخلي يتعلق بالشعب في هذه المنطقة, انه التملق والنفاق والتغاضي عن الحق مقابل إرضاء الحاكم ويترتب على ذلك بطبيعة الحال أن تعيش هذه المدينة في إطار انعدام الخدمات والذل والعبودية والاستعلاء والقوة والخضوع التام لسلطة الحاكم الفرد.
عندما كتبت مقالاً عن المياه وشحتها في المدينة سمعت أحدهم يقول: قد نحنا كذه طوال أعمارنا هيا مو حاجته.. المقال كتب قريباً بعنوان مسكين أنت في تعز.
إن ما قاله الأستاذ شوقي هائل (إن تعز مدينه محاربه) صحيح ينم عن خبرة ودراية وشجاعة وصراحة مع أبناء شعبه, لا يمكن لكاتب متأمل يعيش في مدينة ثورية أن يتجاهل عبارة كهذه تصدر من مثقف وإداري وابن عائلة لها تاريخ يرتبط بالمحافظة واقتصادها وإدارتها وشتى مجالات الحياة فيها مع ترديدها في أكثر من مناسبة.. خاصة لو سمعنا من المحافظ نفسه عبارة أخرى مفادها أن تعز تحتاج إلى إقليم مستقل يبعدها عن المركزية الشديدة.. هناك رابط واضح بين قوله الأول (أن تعز مدينة محاربة) وعبارته الأخيرة (إن أبناء تعز يتميزون بعقولهم وعلمهم وثقافتهم ويحتاجون إلي إقليم مستقل يبعدهم عن مركزية صنعاء الشديدة).. إن الرابط بين العبارتين يحدد المشكلة والحل ولو تطرقنا لنموذج عملي يؤكد هذه الأقوال فإن هذه الكهرباء التي تزعجنا بانقطاعها كل نصف ساعة ولو أننا نحاول أن نحول الانزعاج إلي فائدة من خلال كتابة هذا المقال لو تصورنا مثلا أن لتعز مولداً يغنيها عن المركزية الشديدة وارتباطها بمحافظة الكلافيت البعيدة, إلا أن اشتراط 80% للعاصمة يوضح لنا بجلاء الدوافع الصادقة لقول هذه العبارة والصراحة مع الشعب والصدق مع النفس والرغبة الجادة في تشخيص المشكلة, ولعل أبناء تعز يفهمون المعاناة التي يتحملها هذا الرجل من تكاليف المولدات الكهربائية اللازمة لاستمرار سير المرافق العامة الحيوية في تعز.
لقد ربطنا في هذه المقالة بين ثلاثة عوامل أحدها تاريخي والثاني إداري والثالث جغرافي.. إنه القلعة هذا المكان الشامخ مصدر عز أبناء تعز وقهرهم في آن واحد.. إن هذا المكان الجغرافي الشامخ الذي نراه عالياً ليعبر عن شموخ هذه المدينة وكبرياء أبنائها, هذا المكان المضيء دائماً الذي بإضاءته ونوره وإشراقه على المدينة في ليلها الجميل ولو خيم عليها الظلام قهر للكلافيت ولكل من يريد الظلام لهذه المدينة والظلم بأهلها, كما انه كان منذ إنشائها وإلى يومنا على مر التاريخ مصدر حماية للمدينة وأهلها من الأعداء وقهر لهم.
كما إن العامل الإداري الذي أشرنا إليه سلفاً والذي عبر عنه المحافظ الصادق في مشاعره وأحاسيسه النابعة من وطنية شديدة ورغبة ملحة في بناء هذه المحافظة, عبر أيضاً، وبالإضافة إليه من خلال عبارته التي قالها على عامل رابع أردنا الإشارة له في هذا المقال, انه العامل النفسي الذي شعرت به بعد فتره بسيطة من وصولي لأول مرة إلى هذه المدينة بعد تعييني معيداً في كلية الحقوق في شهر نوفمبر من العام 1997, انه ببساطة واختصار شديد عامل الإحباط النفسي الذي يخيم على أبناء هذه المحافظة وقد عبرت عن هذا العامل النفسي الخطير والواضح في عبارة المحافظ الخبير بمدينته وأهله, عبرت عنه قريبتي التربوية بقولها عندما سألتها فقالت: (إن هذه المدينة مشكلتها الإدارية في القياديين الإداريين الذين يأتون من خارجها وليس في شعبها الطيب المسكين المغلوب على أمره).
أما القهر في العنصر الجغرافي القلعة وكما قلنا أنها مصدر اعتزاز وعز أبناء تعز وقهرهم في آن واحد, فان القهر لأبناء تعز يأتي أحياناً من مصدر عزهم واعتزازهم وقهر أعدائهم عندما يستخدم هذا الرمز التاريخي لقهر الثورة والثوار من أبناء المحافظة بدل من حمايتهم وأننا أتذكر ذلك اليوم الذي استشهد فيه الكثير من أبناء المحافظة في ليلها الدامي..
ومع ذلك فقد خرج أبناؤها من طلابي بين دماء أبنائها وأشلائهم صباح اليوم التالي لأداء اختبار القانون الإداري في مدينة لا تعرف الإدارة وتجهل قانونها دون ذنب من أبنائها.. مدينة لا تعرف الإدارة سوى هيكل إداري يحتوي على سلطة مقيدة بمركزية شديدة, ليس هناك مثال على ذلك أبرز من أننا لا نستطيع أن نختار ونتفق على رئيس الجامعة فيها إلا بعد الرجوع إلى المركز في صنعاء وأن السلطة والثروة فيها وفي غيرها من مرافق الإدارة العامة في تعز يسيطر عليها العامل الحزبي البعيد عن معنى الحزبية العلمي, القريب من عصابات تتقاسم السلطة والثروة في الخفاء بعيداً عن ثلاثة ملايين نسمة يعانون الجوع والمرض وتوقف التنمية.

الأكثر قراءة

الرأي الرياضي

كتابات

كلمة رئيس التحرير

صحف غربية

المحرر السياسي

سيف محمد الحاضري

2024-10-14 03:09:27

القضاء المسيس ..

وكيل آدم على ذريته

أحلام القبيلي

2016-04-07 13:44:31

باعوك يا وطني

أحلام القبيلي

2016-03-28 12:40:39

والأصدقاء رزق

الاإصدارات المطبوعة

print-img print-img
print-img print-img
حوارات

dailog-img
رئيس الأركان : الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر

أكد الفريق ركن صغير حمود بن عزيز رئيس هيئة الأركان ، قائد العمليات المشتركة، أن الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر، مبيناً أن تشكيل مجلس القيادة الرئاسي الجديد يمثل تحولاً عملياً وخطوة متقدمة في طريق إنهاء الصراع وإيقاف الحرب واستعادة الدولة مشاهدة المزيد