بلا مواربة تثبت الحياة لنا عبر شواهدها أن العيش فيها قد يكون بموقف واحد، هكذا تحدثنا الأيام، وبذلك يحكي لن التاريخ، فالمعتصم من يبحث في تاريخه سيجد أن الرجل صاحب تاريخ لم يعجب الكثير ممن عاصروه من العلماء والحكماء لما فيه من الانحراف لكنه وفي لحظة وقد تردد في أذنه صدى استغاثة امرأة تقول له وامعتصماه تشكو ظلم من استبد بها، قامت فيه نخوة المسلم، أجابها لبيك يا أختاه فقام في نجدتها بجيش عرمرم لم يتوان في تأخيره حتى فكها من أسرها، فغفر له هذا الموقف تاريخه الأسود إن صح التعبير، حتى أصبح المعتصم اليوم رمزا من رموز أمتنا الإسلامية وشخصية ينظر لها المسلمون بفخر واعتزاز دون أن يعرف الكثير أن جزءا من تاريخه الذي عاشه قبل موقفه هذا كان غير منضبط، لكنه بموقفه الذي صنعه أصبح العز والفخار سمة شخصيته الدارجة التي تعلمناها، ومثل هذه المواقف لا تظهر وتحسب على صاحبها إلا في لحظة حرجة من لحظات الأمة وظرفا مفصليا تمر بها.
وعلى العكس من ذلك تماماً أنور السادات الرجل الذي يجمع كثير من المصريين أن عهده كان مزدهراً بالحريات والإخوان كانوا يعيشون أوج انفتاح الجماعة على المجتمع ذهب ليعقد معاهدة السلام المخزية مع الكيان الإسرائيلي في موقف عده الكثيرون تفريطا بفلسطين وخيانة عظمى يجب إلا تمر بالتقادم، موقف غطى على جميع محاسن الرجل لأنه وقف موقف خزي وعار بعد تاريخ أقل ما يقال فيه بأنه لم تخالطه شائبة الاستبداد وهكذا ضاع تاريخه جراء موقفه الذي ختم به حياته السياسية التي اصبح الكثير يلعنها ويرجع لها كثير من الضياع الذي دخلت فيه القضية الفلسطينية.
إنها الحياة موقف يشرف به الإنسان حياته ليس ضرورياً أن تكون مليئة بما ينافي حياة الشرف، وهي موقف آخر قد ينكس الإنسان به راية حياته الشريفة وليس بالضرورة أيضا أن يكون قد عاش حياة ملؤها الشرف، المهم موقفه من حدث كانت الأمة تنتظره منه لأن يقفه بعز وكرامة أو بغير ذلك.
اليوم وللأسف الشديد نجد هاذين الموقفين يبرزان مجدداً في ثنايا الانقلاب العسكري الأخير الذي حدث في مصر وقام به السيسي، البعض أقام لنفسه وقفة عز وهو الذي لم يكن الآخرين ربما ينتظرون منه مثل ذلك، والبعض الآخر ممن عقد عليه الآخرون الآمال لأن يقف مثل هذه الوقفة تنكب الطريق وخيب الآمال التي انعقدت عليه.
لقد فهمنا أن يقوم شيخ الأزهر بالمشاركة في الانقلاب وقلنا حينها أنها مؤسسة حكومية تم الضغط عليها لأن تقف مثل هذا الموقف المخزي والمهين من المؤسسة الأزهرية، لكن ما لا نفهمه هو موقف مفتي الجمهورية السابق الدكتور علي جمعة الذي جاء بالمجان وهو الذي كان الناس يتوقعون منه تصديه لخيانة شيخ الأزهر فإذا هو البائع بالمجان إن كان شيخ الأزهر قد باع موقفه نقداً.
جاء ذلك من خلال تسريب فيديو منشور لـه بارك فيه "علي جمعة" القوة التي استخدمت في فض اعتصامي رابعة والنهضة، في تبرير واضح منه لفعل العسكر، وفي إشعال واضح لنار الفتنة مع المواطنين عندما أباح للأمن قتل الرافضين للانقلاب، والعجيب أنه باع موقفه بالمجان حين صرح بأنه لم يكسب بذلك رضا الحاكم ولا محبة المحكومين.. هذا موقف سيذهب إلى مزبلة التاريخ وستذكره الناس بصورته الحالية
وبالمقابل وجدنا امرأة لم يكن أحد يتوقع منها أن تقف موقف عز وفخار، لا هي من الإخوان ولا هي من المناصرين له، بل إنها غير محجبة، لكنها وقفت معهم إنسانياً, فقد كتبت على صفحتها بـ"فيس بوك " إن: "التظاهر يومًا واحدًا لمدة 6 ساعات يوم 30 يونيو، مع جدلية الأرقام وجدلية تقدير الأرقام السلمية، كان نتيجته ذلك الانقلاب على الشرعية الدستورية وعزل أول رئيس مدني منتخب، والآن وبعد ما يقارب الـ 26 يوماً من احتشاد واعتصامات في كل أنحاء الجمهورية فضلاً عن كل تلك الدماء الطاهرة التي تراق من حرائر هذا الوطن شهداء الثورة من مناضلات ومناضلين آمنوا بحقهم وعدالة قضيتهم في الدفاع عن مكتسبات ثورة 25 يناير العظيمة التي منحتهم حرية تقرير المصير وحرية القرار، بل صناعته من خلال انتخابات حرة لأول مرة في تاريخ الوطن".
وتساءلت:" بعد كل ذلك ألا يستحق الموقف المراجعة السريعة ممن أساءوا تقدير ردة فعل شعب تحرر ولن يعود أبدًا لطوق العبودية حتى لو تمت مساومته ما بين الحرية والحياة، لأن لدى أحرار هذا الوطن الحرية تعني الحياة".
إنها الرائعة نيفين ملك عضوة جبهة الضمير قالت موقفها بكل شجاعة في الوقت الذي رأينا فيه كثيراً من الممثلات التائبات المحجبات قد وقفن مع الانقلاب وفرحن فرحا شديدا لسقوط دولة الإخوان كما يزعمن بدءا من عفاف شعيب ومرورا بصابرين ومنى عبدالغني وانتهاء بميريام فارس، لقد كانت نيفين ملك صاحبة ضمير حي سجلت من خلاله موقفاً لن ينساه لها المصريون ما حيوا.
وهكذا هي الحياة، مواقف منها المخزية ومنها ما يرفع الراس عاليا نحو السماء.. فلأصحاب المواقف المحترمة والقديرة نقول لهم:" إن التاريخ سيذكر لكم وقفتكم".. ولأصحاب المواقف المخزية نقول لهم:" إن التاريخ أيضاً لن ينسى لكم مثل هذه المواقف المخزية".
مروان المخلافي
الحياة.. إنها موقف 1316