الإخوان المسلمون.. العنوان العريض الأكثر تداولاً حالياً بكل لغات الدنيا، ملئ سمع الدنيا وبصرها، قضية وتيار كاسح أسقط خطوط الطول والعرض والزمان والمكان، المحلي والإقليمي والدولي من حساباته، تجاوز الأرض إلى التحليق في السماء وما وراء الشهادة إلى عالم الغيب.. يتساءل أحدهم بذهول: هل للإخوان المسلمين تنظيم مقره زحل أو المشتري أو خارج درب التبانة ؟!!.. ربما..
هم عطر الأرض، ملحها وهم ينابيع الريحان.. لهم علم بمن سادوا ومن قادوا وكيف يعمر الإنسان..
شاخت كل التيارات والنظريات، وبقي الإخوان بعمر الزهور يصنعون الربيع وتعيد الأيام انتاج فتوتهم من جديد، قهروا السجون والحظر والاستبداد في مسيرة نضال تناهز العقد الثامن، تجاوزوا وسبقوا كل النظريات والمشاريع السياسية التي طرحت على الساحة، في تنافس شريف بأدوات العصر، وكانوا هم أكثر من دفع الفاتورة تضحية واعتقالاً ومنعاً ونفياً خارج أوطانهم وما وراء البحار.
يتجددون باستمرار.. يتكيفون.. يسايرون الحديث والمستجد وما توافقت عليه الإنسانية من قيم الحرية والعدالة والتكنولوجيا والأشكال والوسائل السياسية الحديثة دون تصادم، مؤشر الترمومتر لديهم في تصاعد مستمر، والعكس عند غيرهم من تيارات اليسار والليبراليين والشيوعين، ويكفي المشهد المصري نموذجاً على هذه الحقائق.
ها هو القومي الناصري حمدين صباحي يزور خلسة تل أبيب قبل أيام، والشيوعي سعد هجرس بيده كتب بيان المثقفين يوم 30يونيو مستدعيا الجيش للانقضاض على الديمقراطية، البرادعي إلى جانب الجنرال السيسي يتلوان معاً البيان العسكري رقم واحد لتدشين خارطة الطريق البوليسية، على أنقاض الدولة المدنية.
لقد امتطى سياسيو وإعلاميو وفنانو اليسار والليبراليين طائرات الأباتشي ومدرعات ومصفحات الجيش والأمن، فيما الإخوان ومن في فلكهم يخوضون نضالاً سلمياً في الشارع، أدواتهم لافتات وشعارات وبيانات، صدورهم عارية تستقبل الذخيرة الحية والقصف الإعلامي ذي الرواية الواحدة وهم صامدون يرددون: سلميتنا أقوى من الرصاص.
يخوضون اليوم معركتهم الأخيرة، طرفها ليس تياراً سياسياً ولا نظرية، بل مكون أصم وقوة خشنة في مواجهة قوتهم الناعمة.
يقول الأكاديمي والسياسي السعودي خالد الدخيل: (لا يوجد مكون ينافس الإخوان قوة وتنظيماً في مصر سوى القوات المسلحة التي تحتل المرتبة الأولى عربياً والرابع عشر من بين جيوش العالم).
هل سمعتم في تاريخ النضال السلمي مثيلاً لما جرى ويجري لقيادات الصف الأول في جماعة الإخوان المسلمين وحزب الحرية والعدالة والتيارات التي تغرد في سمائهم، قتل أولادهم وأحرقت منازلهم وصودرت ممتلكاتهم، ثم يقادون إلى معتقلات (ثوار الأكشن) كعبدالفتاح السيسي والببلاوي وعدلي منصور ومحمد إبراهيم؟!!.
المرشد الدكتور بديع.. سطى الإنقلابيون بقوة السلاح على ثمرة نضاله، قتلوا ولده عمار وأحرقوا منزله، وأكثر من هذا وأشد ألماً ذبحوا وجرحوا الآلاف من رجاله وشبابه من حملة الشهادات العليا في مختلف التخصصات، رباهم وتعهدهم بالرعاية لبضعة عقود، بمجملهم يمثلون تجمعاً حاشداً بين المقابر وأسرة المرض، وأخيراً وضعوه في المعتقل بكل قساوة وانعدام إنسانية، إنه الفرعون عاد إلى مصر متكبراً متعالياً طاغياً من جديد.
عندما تتصارع الفكرة والقوة الخشنة، تكون الغلبة بكل تأكيد لصالح الأولى، العنف لا يقهر الفكرة، والقتل والدم لا يفنيها، كما أن التضحيات والضربات يزيدها توهجاً وجذباً للناس، تماماً مثل الحديد الساخن، تزيده الضربات لمعاناً وتألقاً.
وفكر الإخوان فيه من عوامل البقاء والديمومة والاستمرار والانتشار، ما عجزت عن احتوائه وتجفيفه كل الحكومات والقوى والأنظمة التي تعاقبت على الوطن العربي والإسلامي والعالمي طيلة العقود الماضية.
إنهم روح يسري في جسد هذه الأمة، وجيل زرعته يد الله، لن تستطيع أن تحصده يد البشر.. والأيام بيننا.
عبدالرقيب الهدياني
إخوان.." هنكمل المشوار" 1539